تجارة انبعاثات الكربون

تعمل تجارة الانبعاثات من خلال وضع حد إجمالي كمي على الانبعاثات الصادرة عن جميع المصادر المطلقة لها. وبالتالي يتحدد السعر تلقائيًا مع الهدف الموضوع، وتمثل هذه النقطة الميزة الرئيسية لتجارة الانبعاثات بالمقارنة مع ضريبة الكربون الثابتة. وطبقًا لتجارة الانبعاثات فإنه يتحتم على الملوثين الذين يطلقون انبعاثات تتجاوز قيمتها الحصص المخصصة لهم شراء الحق في إصدار المزيد من الانبعاثات. وكذلك يحق للكيانات ذات قيم الانبعاث الأقل بيع حقها في إصدار انبعاثات الكربون إلى كيانات أخرى. وبالتالي سوف تُستغل السبل الأكثر فعاليةً لتقليل إصدار الكربون من حيث التكلفة أولًا. تعد تجارة الانبعاثات وضرائب الكربون من الطرق الشائعة التي تلجأ إليها البلدان في محاولتها الوفاء بتعهداتها بموجب اتفاقية باريس.[1]

يجري العمل بتجارة الانبعاثات في كل من الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.[2] بيد أنها لا تدخل عادةً في تنسيق أي من الميزانيات الكربونية المحددة المطلوبة للحفاظ على الاحترار العالمي دون العتبات الحرجة البالغة 1.5 درجة مئوية أو أدنى بكثير من 2 درجة مئوية. لا تغطي الخطط الحالية سوى نطاق محدود من قيم الانبعاثات. يركز نظام تجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي على قطاعي الصناعة وتوليد الطاقة ويفسح المجال أمام الدول الأعضاء لإدخال مخططات إضافية في مجالي النقل والاستهلاك الخاص. لم تدخل الغازات الدفيئة القوية الأخرى مثل الميثان أو أكسيد النيتروس الناتج عن الزراعة في هذه المخططات حتى الآن، وذلك على الرغم من حساب الوحدات بالأطنان من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. وغير ذلك فإن العرض الزائد يؤدي إلى انخفاض أسعار المخصصات بالترافق مع انعدام التأثير التقريبي لعملية احتراق الوقود الأحفوري.[3] سجلت قيمة مخصصات تجارة الانبعاثات نطاقًا سعريًا واسعًا في شهر سبتمبر من عام 2021 لتتراوح من 7 يورو لكل طن ثاني أكسيد كربون في سوق الكربون الوطني الجديد في الصين ولتصل إلى 63 يورو لكل طن ثاني أكسيد كربون في سوق تجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي.[4][5] أظهرت الحسابات التي توصلت إليها أحدث نماذج الكلفة الاجتماعية لانبعاثات الكربون تجاوز قيمة الأضرار حد الـ3000 دولار لكل طن من ثاني أكسيد الكربون نتيجة للتغذية الرجعية المرتدة على الاقتصاد وانخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين تتراوح قيمة الكلفة بحسب التوصيات التي حددتها السياسات ما بين 50 إلى 200 دولار.[6]

نبذة تاريخية

باشر المجتمع الدولي عمليةً طويلةً نحو اتخاذ مجموعة من التدابير الدولية والمحلية الفعالة الرامية إلى معالجة مسألة انبعاثات الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروس ومركبات الكربون الهيدروفلورية ومركبات الكربون المشبعة بالفلور وسداسي فلوريد الكبريت) تجاوبًا مع التأكيدات المتزايدة التي أشارت إلى أن الاحترار العالمي يحدث بفعل الانبعاثات الصادرة عن النشاط البشري، وذلك فضلًا عن عدم التأكد من عواقبه المحتملة. انطلقت تلك العملية من مدينة ريو دي جانيرو في عام 1992 حين وافقت 160 دولة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وتُركت التفاصيل الضرورية في الاتفاقية لتحسمها الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي.

غدا بروتوكول كيوتو أول اتفاقية رئيسية هدفت لخفض معدلات الغازات الدفيئة في عام 1997. التزمت 38 دولة متقدمة (بلدان الملحق 1) بالأهداف والجداول الزمنية المتفق عليها.[7]

يمكن للقيود الصارمة الموضوعة على معدلات زيادة الغازات الدفيئة أن تحمل في طياتها أعباء مالية كبيرة في حال ترتب على البلدان الاعتماد فقط على تدابيرها المحلية.[8]

الجانب الاقتصادي

تكمن المشكلة الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ في عدم تحمل مطلقي انبعاثات الغازات الدفيئة للكلفة الكاملة المترتبة عن أفعالهم.[9] يطلق على التكاليف الأخرى اسم التكاليف الخارجية.[10] قد تؤثر التكاليف الخارجية على رفاه الآخرين. إذ تؤثر انبعاثات الغازات الدفيئة في حالة تغير المناخ على رفاه الأفراد في الوقت الحاضر وفي المستقبل وينعكس أثرها على البيئة الطبيعية.[11] تعتمد التكلفة الاجتماعية للكربون على منحى التطور المستقبلي الذي تأخذه الانبعاثات. ويمكن معالجة ذلك من خلال نموذج السعر الديناميكي لتجارة الانبعاثات.

توزيع مخصصات الانبعاثات

يمكن منح مخصصات الانبعاث بالمجان أو بالمزايدة. لا تحصل الحكومة في الحالة الأولى على أي إيرادات كربونية، في حين تحصل الحكومة في الحالة الثانية (بالمتوسط) على القيمة الكاملة للتصاريح الممنوحة. تتميز التصاريح الممنوحة في كلتا الحالتين بندرتها ومحافظتها على قيمتها بين الأطراف المشاركة في السوق. يحافظ السعر على ذات القيمة في كلتا الحالتين (بالمجان أو بالمزايدة) نظرًا لأن حق البت في السعر النهائي للتصاريح الممنوحة (في الوقت الذي يجب أن تستخدم فيه لتغطية تكاليف الانبعاث) يعود إلى السوق الخاص (الخاص بتصاريح الاتجار). يعد هذا الأمر مفهوم عمومًا.

غالبًا ما أسيء فهم النقطة الثانية المرتبطة بمسألة التصاريح المجانية (التي عادةً ما تُمنح بقيم متناسبة مع مستويات الانبعاث السابقة). إذ تعامل الشركات التصاريح المجانية التي يحصلون عليها كما لو أنهم دفعوا ثمنها بالكامل. ويرجع السبب في ذلك إلى أن استخدام الكربون في الإنتاج يترتب عليه نفس التكلفة بحسب الترتيبين المعمول بهما. تكون التكلفة واضحة في حال التصاريح الممنوحة بالمزايدة، في حين تنطوي التكلفة في حال التصاريح المجانية على تكلفة الإقدام على عدم بيع التصريح بالقيمة الكاملة وهو ما يصطلح تسميته بـ«التكلفة البديلة». تُمرر التكلفة الناتجة عن الانبعاثات من خلال رفع تكلفة الإنتاج (مثل رفع تكلفة البنزين أو الكهرباء) نظرًا لأن تكلفة الانبعاثات تدخل ضمن التكاليف الهامشية عمومًا (أي أنها تزداد بازدياد الإنتاج).

أنظمة وأسواق تجارة انبعاثات الكربون

يعادل كل تصريح انبعاثات ممنوح طنًا واحدًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مجال تجارة الانبعاثات الذي تخضع فيه الغازات الدفيئة إلى التنظيم. ومن جملة تصاريح الانبعاثات الأخرى هنالك كل من رخص الكربون ووحدات كيوتو ووحدات الكمية المخصصة ووحدات الحد من الانبعاثات المعتمدة. يمكن بيع هذه التصاريح بشكل خاص أو في السوق الدولية بسعر السوق السائد. يجري تداول هذه التصاريح على المستوى الدولي وهو ما يسمح بنقلها بين الدول. يتم التحقق من صحة كل تحويل دولي من قبل الآلية المنوطة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. كذلك تخضع كل عملية نقل ملكية ضمن الاتحاد الأوروبي للتحقق من قبل المفوضية الأوروبية.[12]

تمثل برامج تجارة الانبعاثات على غرار نظام الاتحاد الأوروبي لتجارة الانبعاثات متممًا لعملية التجارة بين الدول والمنصوص عليها في بروتوكول كيوتو من خلال تمكين الاتجار بتصاريح الانبعاث. تتولى هيئات وطنية أو دولية مهمة منح هذه التصاريح للشركات الفردية بناءً على معايير محددة وتأخذ هذه الهيئات بعين الاعتبار الوفاء بأهداف بروتوكول كيوتو على المستوى الوطني و/أو الإقليمي بأقل تكلفة اقتصادية إجمالية ممكنة. تخضع هذه البرامج للمواءمة مع أهداف الانبعاثات الوطنية المنصوص عليها في بروتوكول كيوتو.

المراجع

  1. ^ Olivier & Peters 2020، صفحة 12
  2. ^ ICAP 2021
  3. ^ "Policy Brief: EU emissions trading". Mercator Research Institute on Global Commons and Climate Change. مؤرشف من الأصل في 2022-03-02. اطلع عليه بتاريخ 2021-08-08.
  4. ^ Yuan، Lin (22 يوليو 2021). "China's national carbon market exceeds expectations". مؤرشف من الأصل في 2022-11-04. اطلع عليه بتاريخ 2021-08-08.
  5. ^ "Carbon Price Viewer". EMBER. مؤرشف من الأصل في 2023-03-02.
  6. ^ Kikstra، Jarmo S؛ Waidelich، Paul؛ Rising، James؛ Yumashev، Dmitry؛ Hope، Chris؛ Brierley، Chris M (6 سبتمبر 2021). "The social cost of carbon dioxide under climate-economy feedbacks and temperature variability". Environmental Research Letters. ج. 16 ع. 9: 094037. Bibcode:2021ERL....16i4037K. DOI:10.1088/1748-9326/ac1d0b. S2CID:237427400.
  7. ^ Grimeaud, D, 'An overview of the policy and legal aspects of the international climate change regime' (2001) 9(2) Environmental Liability 39.
  8. ^ Stewart, R, "Economic incentives for environmental protection: opportunities and obstacles", in Revesz, R; Sands, P; Stewart, R (eds.), Environment Law, the Economy and Sustainable Development, 2000, Cambridge University Press.
  9. ^ IMF (مارس 2008). "Fiscal Implications of Climate Change" (PDF). International Monetary Fund, Fiscal Affairs Department. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2022-11-04. اطلع عليه بتاريخ 2010-04-26.
  10. ^ Halsnæs, K.؛ وآخرون (2007). "2.4 Cost and benefit concepts, including private and social cost perspectives and relationships to other decision-making frameworks". في B. Metz؛ وآخرون (المحررون). Framing issues. Climate Change 2007: Mitigation. Contribution of Working Group III to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change. Cambridge University Press, Cambridge, UK, and New York, N.Y., U.S.A. ص. 6. مؤرشف من الأصل في 2010-05-02. اطلع عليه بتاريخ 2010-04-26.
  11. ^ Toth, F.L.؛ وآخرون (2005). "10.1.2.2 The Problem Is Long Term.". في B. Metz؛ وآخرون (المحررون). Decision-making Frameworks. Climate Change 2005: Mitigation. Contribution of Working Group III to the Third Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change. Print version: Cambridge University Press, Cambridge, UK, and New York, N.Y., U.S.A.. This version: GRID-Arendal website. مؤرشف من الأصل في 2013-12-07. اطلع عليه بتاريخ 2010-01-10.
  12. ^ Don Fullerton & Gilbert E. Metcalf (1997). "Environmental Taxes and the Double-Dividend Hypothesis" (PDF). NBER. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2022-11-04. اطلع عليه بتاريخ 2014-07-29.