قناعة (خلق)

من أرابيكا، الموسوعة الحرة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

القناعة لغةً:

هي الرضا باليسير من العطاء. وقال بعض أهل العلم: إن القُنوع قد يكون بمعنى الرضا وسمِّيت قناعةً؛ لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيًا.[1]

والقناعة اصطلاحًا: هي الرضا بما أعطى الله.[2]

وقال السيوطي القناعة: الرضا بما دون الكفاية والاستغناء بالموجود.[3]

وقال المناوي: هي السكون عند عدم المألوفات. وقيل: الوقوف عند الكفاية.[4]

التفريق بين القناعة وغيرها من الصفات المتقاربة

الفرق بين القناعة والزهد

قال الراغب: (القناعة: الرضا بما دون الكفاية وأما الزهد: الاقتصار على الزهيد أي: القليل وهما يتقاربان... لكن القناعة تقال اعتبارًا برضا النفس، والزهد يقال اعتبارًا بالمتناول لحظ النفس وكلُّ زهد حصل لا عن قناعة فهو تَزَهُّـد لا زهد).[5]

- الفرق بين القصد والقناعة

(أنّ القصد: هو ترك الإسراف والتقتير جميعًا. والقناعة: الاقتصار على القليل والتقتير، ألا ترى أنه لا يقال هو قنوع إلا إذا استعمل دون ما يحتاج إليه، ومقتصد لمن لا يتجاوز الحاجة ولا يقصر دونها، وترك الاقتصاد مع الغنى ذم، وترك القناعة معه ليس بذم، وذلك أنَّ نقيض الاقتصاد الإسراف، وقيل: الاقتصاد من أعمال الجوارح؛ لأنَّه نقيض الإسراف، وهو من أعمال الجوارح والقناعة من أعمال القلوب).[6]

مراتب القناعة

قال الماوردي: (والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجهٍ:

  • فالوجه الأول: أن يقنع بالبلغة من دنياه، ويصرف نفسه عن التعرُّض لما سواه. وهذا أعلى منازل القناعة.
  • والوجه الثاني: أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة. وهذه أوسط حال المقتنع.
  • والوجه الثالث: أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرًا، ولا يطلب ما تعذَّر وإن كان يسيرًا. وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة؛ لأنها مشتركةٌ بين رغبةٍ ورهبةٍ. أما الرغبة؛ فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت. وأما الرهبة؛ فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت).[7]

ذكر القناعة في القرآن

  • قال سبحانه وتعالى (في سورة الحج):
    «وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» – [آية 36]

    قال أبو إسحاق الثعلبي: (القانع من القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك السؤال).[8]
    قال الطبري: (وأما القانع: الذي هو بمعنى المكتفي؛ فإنه من قَنِعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعًا وقنعانًا).[9]
    وقال مجاهد: (القانع: جارك الذي يقنع بما أعطيته).[10]
  • قال تعالى (في سورة الانفطار): ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝١٣ [الانفطار:13]
    قال الرازي: (قال بعضهم؛ النعيم: القناعة، والجحيم: الطمع).[11]
    وقال النيسابوري: (وقال آخرون: النعيم: القناعة والتوكل).[12]
  • قال تعالى (في سورة النحل): ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝٩٧ [النحل:97].
    عن محمد بن كعب في قوله تعالى: "وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً"، قال: القناعة.[13]
    وفسَّرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيضًا بالقناعة.[14]

ذكر القناعة في السنة

وقال : (( اللهمَّ اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا )).[15]


قال ابن حجر: (أي: اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذلِّ المسألة، ولا يكون فيه فضولٌ تبعث على الترفُّه والتبسُّط في الدنيا. وفيه حجةٌ لمن فضَّل الكفاف؛ لأنَّه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال).[16]

وقال النووي: (قال أهل اللغة العربية: القُوت ما يسدُّ الرَّمَق، وفيه فضيلة التقلل من الدنيا، والاقتصار على القوت منها، والدعاء بذلك).[17]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله : ((مَن يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهنَّ، أو يعلم من يعمل بهنَّ؟ قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ يدي فعدَّ خمسًا، فقال: اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا ولا تكثر الضحك؛ فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب)).[18]

قال المناوي: (وارضَ بما قسم الله لك) أي: أعطاك (تكن أغنى الناس) فإنَّ من قنع بما قسم له، ولم يطمع فيما في أيدي الناس استغنى عنهم .

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: (( قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله )).[19]

قال ابن حجر: (ومعنى الحديث: أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة).[20]

وقال المناوي: (رُزق كفافًا، وقنَّعه الله بالكفاف، فلم يطلب الزيادة).[21]

وقال المباركفوري: (... ((كفافًا)). أي: ما يكف من الحاجات، ويدفع الضرورات. ((وقنَّعه الله)). أي: جعله قانعًا بما آتاه).[22]

وقال القرطبي: (أنَّ من فعل تلك الأمور واتصف بها فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة) .

عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنَّ النبي كان يومًا يحدث-وعنده رجلٌ من أهل البادية- أنَّ رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحبُّ أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله عزَّ وجلَّ: دونك يا ابن آدم، فإنَّه لا يشبعك شيءٌ. فقال الأعرابي: والله لا نجده إلا قرشيًّا، أو أنصاريًّا، فإنهم أصحاب زرعٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ. فضحك النبي )).[23]


قال ابن بطال: (وقوله: دونك يا ابن آدم، لا يشبعك شيء. يدلُّ على فضل القناعة، والاقتصار على البلغة، وذمِّ الشَّرَهِ والرغبة).[24]

وقال ابن حجر: (وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَهِ) [25]

أقوال في القناعة

  • قال عمر بن عبد العزيز: (الفقه الأكبر: القناعة، وكفُّ اللسان.)[26]
  • قال عبد الله بن عباس: (القناعة مال لا نفاد له.)[27]
  • وكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد.[28]
  • وقال مالك بن دينار: (أزهد الناس من لا تتجاوز رغبته من الدنيا بلغته).[29]
  • وقال بعض الحكماء: إنَّ من قنع كان غنيًّا وإن كان مقترًا ومن لم يقنع كان فقيرًا، وإن كان مكثرًا.
  • (عن أبي سليمان أنه قال: سمعت أختي تقول: الفقراء كلهم أموات إلا من أحياه الله تعالى بعزِّ القناعة، والرضا بفقره).[30]
  • وقال أبو حاتم: (مِن أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطرًا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضاء، والثقة بالقسم، ولو لم يكن في القناعة خصلة تُحمد إلا الراحة، وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل، لكان الواجب على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال).

- وقال أيضًا: (القناعة تكون بالقلب؛ فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنا مطمئنًا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته، والجَدُّ والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد).[31]

صور من القناعة

صور من قناعة النبي

روى عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: (( ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر )) [32]

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(( ما شبع آل محمد من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله )).[33]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (( لو كان لي مثل أحد ذهبًا ما يسرني أن لا يمرَّ علي ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين )).[34]


قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

((دخلت على رسول الله وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله ، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله ، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى...)).[35]


صور من قناعة الصحابة

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ إما إزارٌ وإما كساءٌ قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن تُرى عورته).[36]

عن أبي العالية: أن رسول الله قال: (( من يكفل لي أن لا يسأل أحدًا شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا)).[37]

  • وقال الحسن: (كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدَّق به، وأكل من سفيف يده).[38]

أمثال في القناعة

- يقال في المثل: خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع.[1] - القناعة مال لا ينفد - وقولهم: يكفيك ما بلغك المحل .

أقوال الشعراء في القناعة

قال الشاعر:[39]

هـي القنـاعةُ لا تـرضَى بهــا بـدلا
فيهــا النعيـمُ وفيهــا راحـةُ البـدنِ
انظـرْ لمـن ملَــك الدُّنيـا بأجمـعِـها
هـل راح منها بغيــر القطـن والكفـن

المؤلفات في موضوع القناعة

  • القناعة، لأحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط بن عبد الله بن إبراهيم بن بُدَيْح الدِّيْنَوَريّ، المعروف بـ «ابن السُّنِّي» (المتوفى: 364هـ)، المحقق: عبد الله بن يوسف الجديع، مكتبة الرشد – الرياض، الطبعة: الأولى، 1409هـ.
  • القناعة والتعفف، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (المتوفى: 281هـ)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1413هـ - 1993م.
  • قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذل السؤال بالكتب والشفاعة، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت: 671هـ)، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414هـ - 1994م.

مراجع

  1. ^ أ ب الصحاح للجوهري (3/ 1273)
  2. ^ مشارق الأنوار لأبي الفضل البستي (2/ 187)
  3. ^ معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم للسيوطي (ص205)
  4. ^ التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص275)
  5. ^ الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني (323)
  6. ^ الفروق اللغوية (كتاب) لأبي هلال العسكري (ص430)
  7. ^ أدب الدنيا والدين للماوردي (ص126-127)
  8. ^ الكشف والبيان للثعلبي (7/ 23)
  9. ^ جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (16/ 569)
  10. ^ جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (16/ 563)
  11. ^ مفاتيح الغيب (31/ 80)
  12. ^ غرائب القرآن ورغائب الفرقان (6/ 460)
  13. ^ القناعة والتعفف لابن أبي الدنيا (ص61)
  14. ^ تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 346)
  15. ^ رواه مسلم (1055)
  16. ^ فتح الباري لابن حجر العسقلاني (11/ 175)
  17. ^ شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 146)
  18. ^ رواه الترمذي (2305)
  19. ^ رواه مسلم (1054)
  20. ^ فتح الباري لابن حجر العسقلاني (11/ 275)
  21. ^ فيض القدير (4/ 508)
  22. ^ تحفة الأحوذي للمباركفوري (4/ 508)
  23. ^ رواه البخاري (2348)
  24. ^ شرح البخاري (6/ 489)
  25. ^ فتح الباري لابن حجر العسقلاني (5/ 27)
  26. ^ (أدب المجالسة وحمد اللسان) لابن عبد البر (87)
  27. ^ العقد الفريد لابن عبد ربه (3/ 169)
  28. ^ إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 239)
  29. ^ أدب الدنيا والدين للماوردي (ص227)
  30. ^ صفوة الصفوة لابن الجوزي (2/ 431)
  31. ^ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (149-150)
  32. ^ رواه البخاري (6455)
  33. ^ رواه مسلم (2970)
  34. ^ رواه البخاري (2389)
  35. ^ رواه البخاري (4913) ورواه مسلم (1479) واللفظ له
  36. ^ رواه البخاري(442)
  37. ^ رواه أبو داود وأحمد والطبراني والبيهقي وصحح إسناده ابن جرير والمنذري والنووي، وصحَّحَ الألباني هذا الحديث في (صحيح سنن أبي داود)
  38. ^ تاريخ دمشق لابن عساكر (21/ 434)
  39. ^ غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني (2/ 537)