تضامنًا مع حق الشعب الفلسطيني |
جعفر المتوكل على الله
أميرُ المُؤمِنين | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
جَعْفَر المُتَوكِّل عَلى الله | |||||||
جَعْفَر بن مُحَمَّد بن هاروُن بن مُحَمَّد بن عبدِ الله بن مُحَمَّد بن عليّ بن عبدُ الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلِب الهاِشمي القُرشيّ العَدنانيّ | |||||||
تَخطيط باسم الخَليفَة جَعْفَر المُتَوكِّل على الله
| |||||||
معلومات شخصية | |||||||
الميلاد | شوَّال 206 هـ (مارس 822 م) فمّ الصَّلح، واسط، الخِلافَة العبَّاسيَّة |
||||||
الوفاة | 4 شوَّال 247 هـ (11 ديسمبر 861 م) سامَرَّاء، الخِلافَة العبَّاسيَّة |
||||||
سبب الوفاة | اغتيال | ||||||
الكنية | أبُو الفَضْل | ||||||
اللقب | المُتَوكِّل على الله | ||||||
الديانة | مسلم سُنّي | ||||||
الزوج/الزوجة | طالع جواريه | ||||||
الأولاد | طالع ذُريته | ||||||
الأب | مُحَمَّد المُعْتَصِم بِالله | ||||||
الأم | شُجاع الخوارزميَّة | ||||||
إخوة وأخوات | طالع إخوته | ||||||
منصب | |||||||
الخَليفةُ العَبَّاسيُّ العاشِر | |||||||
الحياة العملية | |||||||
معلومات عامة | |||||||
الفترة | 24 ذو الحجة 232 - 4 شوال 247 هـ (أربعةَ عشر عاماً، وعشرةِ أشهُر، وثلاثَةِ أيَّام) |
||||||
|
|||||||
السلالة | العباسيون | ||||||
تعديل مصدري - تعديل |
أميرُ المُؤمِنين وخَليفَةُ المُسْلِمين ومُحيي السُنَّة أبُو اَلفَضْل جَعْفَر المُتَوَكِّل على الله بن مُحَمَّد المُعْتَصِم بن هارون الرَّشيد بن مُحَمَّد المَهديّ بن عَبدُ الله اَلمَنْصُور العَبَّاسِيُّ الهاشِمِيُّ القُرَشِيّ (شَوَّال 206 - 4 شَوَّال 247 هـ / مارس 822 - 11 ديِسَمْبَر 861 م)، المَعرُوف اختصارًا المُتَوكِّل أو المُتَوكِّل عَلى الله، هو عاشِر خُلُفاء بَني العَبَّاس، حكم دَوْلة الخِلافة العَبَّاسيَّة مِن 232 هـ / 847 م حتى مقتله عام 247 هـ / 861 م، خلفاً لأخيه الواثِق بالله.
وُلد المُتوكِّل بن مُحَمَّد المُعْتَصِم في فمّ الصّلح، وهو موضع بالقُرب من واسِط، وذلك في عهد خِلافَة عَمّه المأموُن، وقد تولَّى الخِلافة بعد أخيه هاروُن الواثِق بِالله ولم يكُن قد عَهَد بوِلاية العَهْد لأحد مِن بَعْدِه، وذلك بعد أن بايعهُ الجنرالات الأتراك، حيث كانوا من المُتنفذين في الدَّولة بعد أن جَلَبهُم أبيه المُعْتَصِم، واستكثر منهم في سُرَّ من رأى.
ورث المُتَوكِّل بِلادًا مُمتدة من خُراسان شرقًا، حتى إفريقية غربًا، ومن اليَمَن جُنوبًا، حتى آران، والكرج شِمالًا، وقد واجه الخليفة المُتوكِّل خلال فترة حُكمه، العديد من الاضطِّرابات والثَّورات، مثل مُواجهة الوزراء الفاسِدين منذ زمن أخيه، وثورة مُحمد بن البُعيث في أذرُبيْجان، وثورة البطارقة في أرمينية، والتخلُّص من المسؤول التُّركي إيتاخ الخَزَري، كما واجه غارات شعب البَجاة على جُنوب مِصْر، ومحاولته تقليص النُّفوذ التُّركي المُتزايد.
أنهى المُتوكِّل مسألة خلق القُرآن الذي طبَّقهُ أسلافِه الثَّلاث الأواخر، ومنع الخوض فيه، كما أبعد المُعتزلة والكلاميَّة من المشهد الديني للبِلاد، وأطلق القيُود عن العالِم والإمام أحمد بن حَنْبَل، وأحيى السُّنة، كما يصفهُ بعض المُؤرخون، وكان لهُ في المُقابل إجراءات مُشددة اختلف بها عن أسلافُه، حيث هدم قبر الحُسين بن عَلِي في كربلاء ومنع زيارته، وكان يبغضُ الخليفة الرَّاشِدي عَلِيّ بن أبي طالِب وأهلُ بيتِه، كما فرض على أهلُ الذِمَّة وتحديدًا النَّصارى إجراءات تقييدية كثيرة، فأمر بتضييق منازلهم، ولبس ألوان وصِفات مُعينة، ومنع ركوبهم الخيل والبغال، كما هدم العديد من كنائسهم المُحدثة، مُخالفًا بذلك حُقوق أهل الذُمَّة في الإسلام.
وقع المُتوكِّل في نفس غلطة أحد أجداده، وهو هارُون الرَّشيد، حيث قرر عقد البيعة لأبنائه الثَّلاثة وهُم المُنْتَصِر، والمُعْتَز، وإبراهيم، إلا أنه في أواخر عهده شهد نُفورًا مع ابنه المُنْتَصِر، وكان يكرهُه ويُفضل المُعْتَز عليه، وبعد مُحاولاته في مُصادرة أموال وضِيَع بعض القُوَّاد التُّرك، قرروا قتله في مجلسِه وتعيين ابنه المُنْتَصِر خليفةً له.
يُمثل تاريخ مَقْتَلِه على يد الأتراك أُفول نَجْم الخِلافة العبَّاسيَّة وبداية فَوْضَى سامَرَّاء التي شهدت فترة ضعف شديد للخِلافة، والتي استمرَّت قُرابة عشرة أعوام، وجرى فيها خلع وقتل عدد من الخُلفاء وهُم المُنْتَصِر، والمُعْتَز، والمُسْتَعين حتى المُهْتَدي من قبل الأتراك، ثلاثةٌ منهم كانوا أبناء المُتوكِّل، ويُعتبر جَعْفَر المُتوكِّل الجدُّ الثاني للخُلفاء العَبَّاسِيين بعد المَنْصُور، حيث أن ذريته استمرت في الحُكم من بعد المُهْتَدي حتى سقوط الخِلافة العبَّاسِيَّة في بَغْدَاد عام 1258 م.
نشأته
نسبه
هو جَعْفَر المُتَوكِّل على الله بن مُحَمَّد المُعْتَصِم بن هارُون الرَّشيد بن مُحَمَّد المِهديّ بن أبي جَعْفَر اَلمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عليّ بن عَبدِ الله بن اَلعبَّاس بن عبد المُطلب بن هاشِم بن عبد مناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرة بن كَعب بن لُؤي بن غالِب بن فَهر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مَضَر بن نِزار بن مُعد بن عدنان.
والدهُ هو الخليفةُ العبَّاسِيّ الثَّامِن مُحَمَّد المُعْتَصِم بالله.
أما والدتُه فهي أم ولد خَوارِزميَّة تُدعى شجاع، وكانت امرأة حازِمة وسخيَّة العطاء.[1]
ولادته
وُلِد جَعْفَر في شَهر شوَّال عام 206 هـ / مارس 822 م[2][3]، وقيل عام 207 هـ / 823 م[1]، في مَوقِع يدعى فمّ الصُّلح على نَهْر الصَّلح الذي يصبُ في دَجْلة، وذلك في فترة خِلافة عَمِّه عَبدُ الله المأمُون.
طفولته وشبابه
لم يُعرف الكثير عن طُفولة وفترة شباب جَعْفَر الكثير، إلا أنه عانى في فترة خِلافة أخيه هارُون الواثِق بالله، والذي حكم من 227 هـ / 842 م حتى 232 هـ / 847 م، وكان جَعْفَر في أوائل العشرينات من عُمره، حيث أنهُ لم يكُن بالمُرضى عنه، فقد وكَّل بهِ الواثِق رجُلين هُما عُمر بن فرج الرُّخجي، ومُحَمد بن العلاء الخادِم، فكانا يحفظان أفعالِه، ويكتبان أخبارِه، كما كان الوزير مُحَمَّد بن عبد المَلِك الزيَّات المعرُوف اختصارًا بابن الزيَّات، فكان لا يستقبلهُ بشكل حسِن، وكان صكاك معاش جَعْفَر لا يُختم لهُ إلا بعناء، وقد رُوي أن عُمر الرُّخجي أخذ منهُ الصك مرةً ثم رمى به في صَحن المَسجِد، ومع كُل ذلك الاهمال والتضييق عليه، كان أحمَد بن أبي دؤاد يحاول ما استطاع أن يُحسن من أمر جَعْفَر عند أخيه الخليفة الواثِق.[4]
وقيل أن جَعْفَر رأى في منامِه قبل الخِلافة، كأن سُكرًا نزل عليه من السَّماء، مكتُوبٌ عليه المُتوكِّل على الله، فقصَّها على أصحابِه، فقالوا: «هي والله الخِلافَة»، فبلغ ذلك أخُوه الخَليفة الواثِق، فحبسُه، وضيَّق عليه.[5]
ومِما عُرف هو أن الواثِق حينما فوَّض ابن الزيَّات الأُمور كلها في فترة خِلافتِه، وكَّل على جَعْفَر الشاب بمن يحفظ تحرُّكاتِه، ويأتي بأخباره، وجاء جَعْفرًا إليه طالبًا أن يُكلِّم أخُوه الواثِق ليرضى عنه، فوقف بين يديه لا يُكلِّمه، ثُم أشار ابن الزيَّات لهُ بالقُعود فقعد، فلمَّا فرغ من الكُتُب التي كانت بين يديه، نظر ابن الزيَّات إلى جَعْفَر بغضب، وسأله عما جاء به إليه، فذكر لهُ السبب أن يسأل أميرُ المُؤمِنين الرِّضا عنه، فقال ابن الزيَّات لمن حوله في مجلسه: «انظروا، يُغضب أخاه، ثُم يسألني أن أسترضيهُ له! اذهب! فإذا صلحت رضي عنك»، فقام المُتوكِّل عنهُ حزينًا، وتوجَّه إلى أحمد بن أبي دؤاد، فقام إليه ابن أبي دُؤاد واستقبلهُ على باب البيت، وقبَّله، وقال لهُ: «ما حاجتُك؟ جُعلت فداك!» وأخبره بأنه يريد رِضا الواثِق، فقال ابن أبي دُؤاد: «أفعل! ونعمة عين وكرامة!»، وقد كلَّم الواثِق بأمر أخيه جَعْفَر، فرضي الخليفة بعد تردد وألبسهُ كسوة.[6]
خلافته
توليه الخِلافة
توفي الخليفة هارُون الواثِق بالله في مدينة سُرَّ من رأى، يوم الأربِعاء، السَّادِس والعُشْرُون من ذُو الحجَّة 232 هـ / العاشِر من أُغُسْطُس 847 م، وكانت مدة خِلافته قصيرة نسبيًا، فلم تتجاوز سِتة أعوام، ونتيجةٍ لعدم تعيين الواثِق وليًا للعهد أو وريثًا للحُكم من بعده، اجتمع كُبراء الدَّولة وقُواد الأتراك في نفس اليوم، وكان المجلس يضم القاضي أحمَد بن أبي دُؤاد، والوزير ابن الزيَّات، والكاتِبان عُمر بن فرج وأحمد بن خالد، وأما القُواد الأتراك، فهُم إيتاخ الخَزَريّ، و وَصِيف التُّركي، فتناظروا فيمن يولُّونه الخِلافة، فأشار ابن الزيَّات بمُحَمد بن هارُون الواثِق، وكان غُلامًا صغيرًا لم يبلُغ، وكاد أن تتم البيعة له، حيث ألبسوه دُرَّاعة سوداء وقُلنسوة فإذا هو قصيرٌ عليها، فقال لهُم التُّركي وصيف: «أما تتقون الله! تولُّون مثل هذا الخِلافة وهو لا تجُوز معه الصلاة!»، فتناظروا لحظات، وذكروا عدة أشخاص من بَني العَبَّاس، إلا أن رأي ابن أبي دُؤاد بجَعْفَر بن المُعْتَصِم قد غلَب، فاتَّفق رأيهم عليه، فأحضروه، وكان جَعْفَر جالسًا مع أبناء الأتراك، فاستفهَم الخَبَر، وأخبره بُغا الشَّرابِي بالأمر، وكان جَعْفَرًا خائفًا في البداية أن يكون خُطة من أخيه الواثِق، فمرَّ عليه ووجدهُ قد تُوفي، فجاء إلى المجلس وجلس بينهم، فألبسهُ ابن أبي دُؤاد الطويلة وعمَّمُه، وقبلهُ بين عينيه، ثُم قال له: «السَّلامُ عليك يا أميرُ المُؤمِنين ورحمةُ الله وبركاتُه!»، وبايعهُ الحاضِرون، وكانت الشَّمسُ قد غابت، فغسَّل الواثِق وصلَّى عليه.[7]
وقد اقترح ابن الزيَّات أن يُلقِّبه المُنْتَصِر بالله في البداية وقبِل، واستمرَّ ذلك اللَّقب عليه حتى يومِ الجُمعة، أيّ في الثَّامِن والعُشْرُون من ذُو الحجَّة / الثَّاني عَشَر من أُغُسْطُس من نفس العام، حيث أن ابن أبي دُؤاد قال: «قد رأيتُ لقبًا أرجو أن يكون مُوافقًا، وهو المُتوكِّل على الله»، فأمر بإمضائه، وكتب به إلى الوِلايات والأمصار العَبَّاسِيَّة، كما أمر المُتوكِّل بإعطاء الهاشِميين رِزق ثمانيةُ شُهورٍ، ومنح الشَّاكِريَّة من الجُند مقدار ثمانية شُهور، والمغارِبة مقدار أربعة شُهور، وللأتراك بأربعة شُهور، فاستبشر به الناس، وكان لحظة بيعتِه للخِلافَة يبلغُ من العُمر خَمسٌ وعُشرون عامًا، وتِسعةُ شُهورٍ.[5][7][8]
حملة تطهير الدَّولة
القبض على ابن الزيَّات
استهلَّ الخليفةُ المُتوكِّل أول سنةٍ من حُكمِه، بأن أمر بالقبض على مُحَمد بن عبد الملك وزير الواثِق، والمعرُوف اختصارًا بابن الزيَّات، وذلك في يوم الأربِعاء، السَّابِع من صَفَر 233 هـ / الخامِس والعُشْرُون من سَبْتَمْبَر 847 م، وكان المُتَوكِّل قد حقد عليه نتيجة أفعاله الماضية، منها استحقار ابن الزيَّات لهُ حينما طلب منه أن يسأل الخليفة الرِّضا عنه، وجعلهُ يخرج من داره حزينًا، ولم يكتفِ ابن الزيَّات بما قالهُ له، بل حرَّض الواثِق واتَّهمهُ بانعدام رُجولته، ولذلك حينما زار جَعْفَر أخاهُ الخليفة، استدعى الأخير حجامًا وأمر بحلق شعر رأس جَعْفَر وضرب وجهِه به، وكانت تلك الأسباب كفيلة بإغضاب المُتوكِّل على ابن الزيَّات.[6]
وقد أمر المُتوكِّل إيتاخ الخزري بالقبض عليه، وكان قد جاء إلى ابن الزيَّات، وطلب منه الرُّكوب، ظنًا منه أن الخليفة يستدعيه، فلما حاذى منزل إيتاخ، خاف ابن الزيَّات، إلا أنه أُدخل حُجرة ووكَّل عليه بالحِراسة، وأمر إيتاخ غُلمان ابن الزيَّات بالانصراف، ولم يشكوا بذلك شيئًا، ظنًا منهم أنه عند إيتاخ لشرب النَّبيذ، كما وجه إيتاخ إلى منازل أصحابِه فهجموا عليهم في دارهم، وأخذوا كل ما فيها من الأموال والآلئ والجواهر والجواري، ووجدوا في مجلسه آلات الشراب، كما صادر أموالُه وأملاكُه جميعها وأعطوها للخليفة في القصر الهارُوني حيث يُقيم[8][9]، وكان ابن الزيَّات شديد الظُّلم، كثير مُصادرة أموال الناس، وقلما يرحمُ أحدًا.[10]
وكان المُتوكِّل قد أمر بتعذيب ابن الزيَّات، فمنع الحُرَّاس الأخير من الكلام، كما سهروا على تعذيبه، فكلما أراد النَّوم نُخس بالحديد، وكلما أراد الجُلوس إلى الأرض ضُرب، ومكث على أنواع شتَّى من التعذيب أيَّامًا حتى قضى نحبه، وكان وفاته في الحادي عَشَر من رَبيع الأوَّل 233 هـ / السَّادس من نُوفَمْبَر 847 م.[6]
القبض على عُمر بن فَرج
على غرار ابن الزيَّات، أمر المُتوكِّل وفي شهر رمضان 234 هـ / أبْرِيل 849 م، بحبس عُمر بن فرج الرُّخجي لما كان لهُ عداء وتصرُّفات ضد المُتوكِّل قبل خِلافته، وأخذ مالُه، وأثاث بيته، وأصحابُه، وكان ذا ثراءٍ فاحِش، وساومهُ المُتوكِّل على عشرة آلاف ألف درهم، وأن يُرد عليه ما حيز عنهُ من ضياع الأهْواز فقط، واضطَّر عُمر بن فرج للقُبول وذلك في شهر شوَّال / مايو.[11][12]
القبض على غيرهم
وقد استكمل الخليفة المُتوكِّل حملتهُ التطهيريَّة، فأمر بمُحاسبة أبي الوزير، وذلك في ذي الحجَّة 234 هـ / يُوليو 849 م، فحُمل إلى المُتوكِّل ما يصل إلى ستين ألف دينار، كما حُبس مُوسى بن عبد الملك (أخُو ابن الزيَّات)، والهيثم بن خالد النَّصْراني وابن أخيه سَعدُون بن علي وأولاد إخوته، إلا أن الأخير صُولح على أربعين ألف دينار، كما صُولح ابنا أخيه عبدُ الله وأحمد على نيف وثلاثين ألف دينار، وصُودرت ضياعهُم، وكان قد غلب على حملة الاعتقالات هذه أنهم كانوا يكنُّون العداء للمُتوكِّل قبل خِلافتِه، والذي يبدو أنه انتقم منهم بشكلٍ قاسٍ.[12]
ثورة مُحَمد بن البُعَيْث
كان مُحَمَّد بن البُعَيث بن الجليس مُتمردًا على الخليفة، فجيء به أسيرًا من أذرُبَيْجان وحُبس، إلا أن الحارس عليه ويُدعى خليفة، أخبرهُ أن المُتوكِّل قد تُوفي، وأعد لهُ دواب، فهرب ابن البُعيث مع حارسه خليفة، واستطاعوا الوصول إلى موطن ابن البُعيث مَرَند، وكان لهُ قلعتان تُدعى إحداهُما شاهي وتقع وسط البُحيرة والأخرى يَكْدَر خارج البُحيرة.
وبسبب عدم كفاءة والي أذرُبَيْجان ولعدم استطاعته النيل من ابن البُعيث، عزله المُتوكِّل وعيَّن حمدويه بن علي بن الفضل السَّعدي، فجمع الجُند والشَّاكِريَّة، حتى بلغوا عَشرةُ آلاف، واتَّجه لحرب ابن البُعيث، فحاصر السَّعدي مدينة مَرَند، وكان المدينة تمتلئ بالبساتين وعُيون الماء، فلمَّا طالت مدة الحصار، وجَّه المُتوكِّل زيرك التُّركي على رأس مائتي فارسًا من الأتراك[11]، إلا أنهم فشلوا في تحقيق شيء، فبعث المُتوكِّل عمرو بن سيسل بن كال في تسعُمائة من الشَّاكِريَّة وفشل كذلك، إلا أنه والسَّعدي قطعوا ما حول المدينة نحوًا من مائة ألف شجرة كما يُروى، واستمرَّت الحرب نحو ثمانية شُهور، وكان أتباع ابن البُعيث يفتحون باب القلعة، فيخرجون ويُقاتلون ثم يعودوا إليها، كما كانوا يتدلُّون بالحِبال من السُّور معهم الرِّماح، حتى قرر أخيرًا المُتوكِّل إرسال بُغا الشَّرابي على رأس أربعة آلاف من الأتراك، والمغاربة، والشَّاكِيريَّة وأرسل إلى كِبار أصحاب ابن البُعيث بأمان المُتوكِّل، فوافق معظمهم، وفُتح باب القلعة، وخرج ابن البُعيث هارِبًا، فلحقتهُ كتيبة عبَّاسِيَّة واستطاعت أسره، وقد انتهب الجُنود منزله ومنازل أصحابه وبعض منازل أهل المدينة، ثُم نودي بالأمان، كما أُسر لابن البُعيث أختين وثلاث بنات وعدة أُسارى، وقد أمر بُغا الشَّرابي بالمُنادي لمنع النَّهب.[11][13]
وقد قدِم بُغا الشَّرابي ومعهُ أسيرُه مُحَمد بن البُعيث، وأخواه صقر وخالد، ومائة وثمانون إنسانًا من وُجوه أصحابِه، إلى مدينة سُرَّ من رأى في شهر شوَّال 235 هـ / أبريل أو مايو 850 م، فأوقف مُحَمد بن البُعيث بين يدي الخليفة المُتوكِّل، فأمر بضرب عُنقِه، فجاء السيَّافُون وأحاطوه، فسأله المُتوكِّل عن سبب فعله، فقال ابن البُعيث:«الشَّقوة يا أميرُ المُؤمِنين، وأنت الحبلُ الممدود بين الله وبين خلقِه، وإن لي فيك لظنين أسبقهُما إلى قلبي أولاهُما بِك، وهو العفُو» ثُم نشدهُ شِعرًا بشكلٍ ارتِجاليّ قائلًا:
فعجَب المُتوكِّل لأدبِه، ثم عفا عنه، ويُقال أن محمد بن المُتوكِّل شفع فيه، كما أُطلق سراح أبنائه وجواريه وتوفيت خالة لابن البُعيث بسبب فرحها الشديد، وقد تُوفي ابن البُعيث بعد دخول سُرَّ من رأى بشهر.[13]
مقتل إيتاخ الخزَرِيّ
كان إيتاخ غُلامًا حُوريًا، طبَّاخًا لسلَّام الأبرش، فاشتراه المُعْتَصِم بالله سنة 198 هـ / 814 م في عهد الخليفة المأمُون، وكان شُجاعًا، فرفعهُ المُعْتَصِم ومن بعده ابنهُ الخليفة الواثق بالله، فكان مسؤُولًا كبيرًا، وكان المُعْتَصِم إن أراد قتل أحد، يعمُد إلى إيتاخ كي يقتلُه بيده أو بأوامره، ومِمن قتلهُم العبَّاس بن المأمُون، وابن الزيَّات، وصالح بن عُجيف، وغيرهم، وكان في عهد المُتوكِّل قد استفحل أمرُه، فكان قائدًا من قادة الجيش العَبَّاسِي، وإليه تُجبى الأموال، والبريد، والحجابة وحتى دار الخِلافَة.[14]
فلمَّا تولَّى المُتوكِّل الخِلافَة، وفي أثناء جلسةٍ كان يشرُب بها، صرخ على إيتاخ، فهمَّ الأخير على قتل الخليفة في اللحظات الأخيرة، وحينما أصبح الصباح، قيل للمُتوكِّل ما فعل معه، فاعتذر إليه، وقال لهُ: «أنت أبي، وأنت ربَّيْتُني»، ولعلَّ كلام المُتوكِّل جاء خوفًا من رد فعلٍ انتِقاميّ غير محسُوب، فطلب إيتاخ منهُ الاستئذان للحجّ، فأذن له، وصيَّرهُ أميرًا على كُل بلدٍ يدخلهُ خِلال مسيرة الحج، فلما خرج من سُرَّ من رأى، نقل الخليفة أمر الحِجابة إلى وصيف التُّركي في ذُو القعدة 234 هـ / يُونيو 849 م.[15]
وبعد أن عاد إيتاخ من مَكَّة، كَتَب المُتوكِّل إلى إسحاق بن إبراهيم المُصعبيّ حاكم بَغْدَاد يأمرهُ بحبسِه، وقد أرسل المُتوكِّل الهدايا إلى طريق إيتاخ، وكان إيتاخ يُريد المسير إلى سُرَّ من رأى، إلا أن إسحاق أرسل إليه بأن الخليفة يأمرهُ بضرورة دُخوله بَغْدَاد، ليلقى بَنو هاشِم، ووُجوه بَغْدَاد، ويأمر لهُم بالجوائز التي أرسلها الخليفة.[15]
وقد استقبلهُ إسْحاق بن إبراهيم بحفاوة واحترام، وكان إيتاخ مع ثلاثمائة من غُلمانِه وحرسِه، فلما دخل إيتاخ دار خُزيمة بن خازم، وكَّل بالحُرَّاس، ومنع أصحاب إيتاخ من الدخول، وحينما رأى إيتاخ ذلك، شعر بالغَضب والغدر، وقد حُبس ولداه مَنْصُور ومُظفَّر، وكاتبيه سُليمان بن وهب، وقُدامة بن زياد، وقد أرسل إيتاخ إلى إسحاق: «قد علمت ما أمرني به المُعْتَصِم والواثِق في أمرك، وكنتُ أدافع عنك، فليُشفعني ذلك عندك في ولديّ، فأمَّا أنا فقد مرّ بي شدة ورخاء، فما أبالي ما أكلتُ وما شربتُ، وأما هذان الغُلامان فلم يعرفا البُؤس، فاجعل لهُما طعامًا يصلحهُما»، ففعل إسحاق ما أراده، وقيَّد إيتاخ، وجعل في عُنقِه ثمانين رطلًا، كما مُنع من شرب الماء، فمات عَطِشًا، على غِرار ما قام به بالعبَّاس بن المأمُون في مَنْبِج، فمات في الخامِس من جَمادى الآخرة 235 هـ / الثَّامِن والعُشْرُون من دِيسَمْبَر 850 م.[15][16]
التضييق على أهلُ الذمَّة
كان الخليفة المُتوكِّل مُنفردًا عن بقيَّة الخُلفاء السَّابقين من جهة التَّعامُل المرِن والمُتسامح مع أهلُ الذِّمَّة، ففي شوَّال 235 هـ / أبريل أو مايُو 850 م، أصدر المُتوكِّل بسلسلة من الإجراءات التي أدَّت للتقييض على النَّصارى تحديدًا، فميَّزهُم باللباس، والعمائم، والثياب، وأمرهم بلبس الطيالسة العسليَّة اللَّون، وشدّ الزنانير، وركُوب السرج بالركب الخشب، وعمل رُقعتين على لباس عبيدهم مُخالف للون الثُّوب، ومن خرج من نسائِهم فيلبسن إزارًا عسليًّا، وبهدم البيع المُحدثة، وبفرض ضريبة العشر من منازلهم، كما جعل على أبواب دُورهم صُور شياطين من خشب، ولم يكتفِ بذلك فحسب، بل نهى أن يُستعان بهم في أعمال السُّلطان، وبتسوية قُبورهم على الأرض، وكتب بذلك إلى سائر الأقاليم والآفاق كِتابًا مُطولًا يُوضح فيها رؤيته ومنهجُه، جاء منها:[17][18]
...وقد رأى أمير المؤمنين- وبالله توفيقه وإرشاده- أن يحمل أهل الذمة جميعا بحضرته وفي نواحي أعماله، أقربها وأبعدها، وأخصهم وأخسهم على تصيير طيالستهم التي يلبسونها، من لبسها من تجارهم وكتابهم، وكبيرهم وصغيرهم، على ألوان الثياب العسلية، لا يتجاوز ذلك منهم متجاوز إلى غيره، ومن قصر عن هذه الطبقة من أتباعهم وأرذالهم، ومن يقعد به حاله عن لبس الطيالسة منهم أخذ بتركيب خرقتين صبغهما ذلك الصبغ يكون استدارة كل واحدة منهما شبرا تاما في مثله، على موضع أمام ثوبه الذي يلبسه، تلقاء صدره، ومن وراء ظهره، وان يؤخذ الجميع منهم في قلانسهم بتركيب أزرة عليها تخالف ألوانها ألوان القلانس، ترتفع في أماكنها التي تقع بها، لئلا تلصق فتستر ولا ما يركب منها على حباك فتخفى، وكذلك في سروجهم باتخاذ ركب خشب لها، ونصب أكر على قرابيسها، تكون ناتئة عنها، وموفية عليها، لا يرخص لهم في إزالتها عن قرابيسهم، وتأخيرها إلى جوانبها، بل يتفقد ذلك منهم، ليقع ما وقع من الذي أمر أمير المؤمنين بحملهم عليه ظاهرا يتبينه الناظر من غير تأمل، وتأخذه الأعين من غير طلب، وأن تؤخذ عبيدهم وإماؤهم، ومن يلبس المناطق من تلك الطبقة بشد الزنانير والكساتيج مكان المناطق التي كانت في أوساطهم، وأن توعز إلى عمالك فيما أمر به أمير المؤمنين في ذلك إيعازا تحدوهم به إلى استقصاء ما تقدم إليهم فيه، وتحذرهم إدهانا وميلا، وتتقدم إليهم في إنزال العقوبة بمن خالف ذلك من جميع أهل الذمة عن سبيل عناد وتهوين إلى غيره، ليقتصر الجميع منهم على طبقاتهم وأصنافهم على السبيل التي أمر أمير المؤمنين بحملهم عليها، وأخذهم بها إن شاء الله.
فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره، وانفذ إلى عمالك في نواحي عملك ما ورد عليك من كتاب أمير المؤمنين بما تعمل به إن شاء الله، وأمير المؤمنين يسأل الله ربه ووليه أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وملائكته، وأن يحفظه فيما استخلفه عليه من أمر دينه، ويتولى ما ولاه مما لا يبلغ حقه فيه إلا بعونه، حفظا يحمل به ما حمله، وولاية يقضي بها حقه منه ويوجب بها له أكمل ثوابه، وأفضل مزيده، أنه كريم رحيم.
وكتب إبراهيم بن العباس في شوال سنة خمس وثلاثين ومائتين.[19]
وبعد مُرور عدة أعوام، وتحديدًا عام 239 هـ / 853 أو 854 م، أمر المُتوكِّل بفرض لِباس بذراعين عسلَّيتين على الأقبية والدراريع، ومنع ركُوبهم الخَيْل، والبَراذِين، ليقتصر ركُوبهم على البِغال والحَمير.[20]
ثوْرَة البطارِقة
تسلَّم يُوسف بن مُحَمَّد بن يُوسف وِلاية أرمِينية بقرارٍ من الخليفة بعد وفاة أبيه أبا سعيد مُحَمد بن يُوسف المَرُوزي[21]، فسار إلى البِلاد، ووجَّه عُماله في كُل ناحية، وقد حدث أن خرج عليه البطريق بُقراط بن أشُوط طالبًا الإمارة لنفسه، فأخذهُ يُوسف الوالي وقيَّدُه مع ابنهِ نعمة، وأرسلهُ إلى نائب الخليفة المُتوكِّل، فاجتمع بطارقة أرمِينية مع ابن أخي البطريق بُقراط، واتفقوا على قتل الوالي يُوسف، ووافقهم على ذلك مُوسى بن زُرارة، وكان مُتزوجًا ابنة بُقراط، وعلِم يُوسف الوالي بذلك، فقرر الخُروج من مكانه، وفي أثناء ذلك الحين كان الشِّتاء قد حلَّ على أرمينية، فهبط ثلجٌ عظيم، فثار النَّصارى، وحاصرُوا مدينة طرُون التي يُقيم بها الوالي يُوسف بن مُحَمد، فخرج إليهم ليُقاتلهم فقتلوه وكُل من كان يُقاتل معه، وأمَّا المُسلمين العُزل، فأمروهم بنزع الثياب، والنفي من المدينة حُفاةً عُراةً، فمات الكثير منهم من شدة البرد.[22][23]
وحينما وصلت الأنباء إلى الخليفة المُتوكِّل، أمر بُغا الكَبير بقيادة جيش كثيف جدًا وسيَّرهُم إلى أرمِينية، فبدأ بُغا حملتهُ من مدينة أرْزَن بالقُرب من أخْلاط، وكان بها مُوسى بن زُرارة صهر بُقراط وأحد الثائرين، وتمكَّن بُغا من الإيقاع به، وحملهُ إلى الخليفة المُتوكِّل، ثُم اتجه نحو النَّصارى في مدينة طرُون وما جاورها، فقاتلهم وأباح دمُهُم حتى بلغوا نحو ثلاثين ألفًا، وسبى منهم أعدادًا كبيرة، ثُم سار إلى بلاد الباقْ من كُورة بَسْفَرجان وأسر أحد الثائرين وهو أشُوط بن حمزة، وضبط الأمن في المنطقة.[22][23]
ثّوْرَة تفليس
وضُمن سلسلة اخضاع المُتمردين والثائرين في بِلاد أرمينية، سار بُغا الكبير نحو دَبيل وأقام بها شهرًا، ثُم زحف باتجاه تَفْلِيس في العاشِر من رَبيع الأوَّل 237 هـ / الرَّابِع عَشَر من سَبْتَمْبَر 851 م فحاصرها، وكان هدفُهم إخضاع إسحاق بن إسماعيل، وهو مولى لبَني أُمَيَّة، وقد بعث بُغا بالنفَّاطِين ليقصفوا ويرجموا المدينة بالنَّار، واستطاعوا إضرام النَّار بقصر ابن إسماعيل، والذي تمكَّن الأتراك والمغارِبة من أسره مع ابنِه عُمر، وقد جيء به إلى بُغا فأمر بضرب عُنُقِه، وقد احترقت تَفْلِيس، حتى قيل أنُه قُتل في المدينة زهاء خَمسُون ألفًا، وأُسر من بقي حيًا بها، ولم يزِل بُغا يسير في بِلاد أرمينية، وأرَّان، وأذرُبايْجان، حتى استطاع إخماد تمرُّدات جميع العُصاة والكثير من البطارقة الثَّائرين.[21]
عقد البيعة لأبنائه الثلاثة
وقع المُتوكِّل في نفس أخطاء هارُون الرَّشيد حينما عقد البيعة لثلاثة من أبنائه ليخلفُوه من بعده، ففي يوم السَّبت السَّابع والعُشرون من ذُو الحجَّة 235 هـ / الخامِس عَشَر من يُوليو 850 م، قرر عقد البيعة لبنيه الثلاثة، وهُم مُحَمد ولقَّبهُ بالمُنْتَصِر، ومُحَمد ولقَّبهُ المُعتَز، وإبراهِيم ولقَّبهُ المُؤيَّد، وعقد لكُل واحد منهم لوائين، أحدهُما أسود وهو لواء العهد، والآخر لواءٌ أبيض وهو لواء العمل، وضم إلى كُل واحد من العمل بِلاد وأمصار.[24]
- فكان نصيب المُنتَصِر بالله أن تولَّى إفريقية، والمَغْرَب، والجَزيرة الفُراتية، والعواصِم والجَزيرة العَربيَّة، ومِصْر، والجِبال.
- أما المُعتَز بالله، فتولَّى كُور خُراسان، وطَبَرسْتان، وأرمينية، وأذرُبيجان، وبعد خمسة أعوام ضمَّ إليه خُزن بيوت الأموال في جميع الآفاق، وأمر بضرب اسمِه على الدَّراهم.
- أما إبراهيم المُؤيَّد، فكان إليه جُند دِمَشْق، وجُند حِمْص، وجُند الأُردُن، وجُند فِلَسْطِين.
وكتب كِتابًا مُليئًا بالأيمان والعُهود ورتَّب ترتيب خطّ الخِلافَة من بعده بالتَّفصيل في ذلك، إلا أن ذلك كان لهُ عواقب وخيمة مُستقبلًا.[24]
ظهور النَّيسابُوري
وفي العاصِمة العَبَّاسِيَّة سُرَّ من رأى، ظهر رجُل مُدعٍ للنّبُوَّة يُدعى محمُود بن الفَرَج النَّيْسابُوريّ وزعِم أنه ذُو القَرنَيْن، وكان أنصارُه سبعة وعُشرُون رجُلًا، وقد قام رجُلين من أتباعه بنشر أمره، ودعوا النَّاس لاتباعه، فلمَّا علِم الخليفة المُتوكِّل بالأمر، أمر بإحضاره مع أتباعِه وأصحابِه، وكانوا قد جاؤوا من نَيْسابُور مع أبنائهم، وفيهم شيخ كان يدعو لنبوَّة النَّيْسابُوريّ، ويزعم أن جَبْريل يأتيه بالوحي، فأمر المُتوكِّل بضرب محمُود النَّيْسابُوريّ مائة سُوط، فلم ينكر نبوِّته مع ذلك، وبعد أن ضُرب الشيخ الذي كان يشهد لهُ بالنَّبوَّة أربعين سُوطًا، أنكر نبوّتِه، وحُمل بالنَّيْسابُوريّ إلى العامَّة، فكذَّب نفسُه، وأن الشيخ خدعُه، ثُم أُمر بضربه بالسيَّاط، فضُرب ضربًا شديدًا حتى مات من شدَّة الضرب، وذلك يوم الأربعاء، في الثَّالث من ذُو الحجَّة 235 هـ / الواحِد والعُشرُون من يُونيو 850 م.[19]
إنهاء محنة خلق القُرآن
كان المُتوكِّل حين أفضت إليه الخِلافَة، نهى عن الجِدال في مسألة خلق القُرآن وغيره من أمور المُعْتَزِلة في مجلسه، وبعث كُتُبًا بذلك إلى الآفاق، ولكن يبدو أنها لم تكُن ذا تأثير كبير، وكان يُفكر بإنزال جُثة الإمام والعالِم السُّنِّي أحمد بن نصر الخُزاعِيّ من على خشبة منصُوبة في بَغْدَاد، والذي قُتل في عهد الواثِق سنة 231 هـ / 845 م نتيجة التزامه بمبدأ أن القُرآن كلامُ الله ولا يقول بأنه مخلوق، وكان ذلك يُعتبر مُؤديًا للكُفر بحسب المُعْتَزِلة، وحينما سمِع المُعتزليُّون وأنصارهم بما يُخطط له الخليفة المُتوكِّل، اجتمعوا تحت الخشبة، وكثروا وتكلّموا، فبلغ ذلك المُتوكِّل، والذي وجَّه إليهم نَصْر بن اللَّيْث مع الجُند، فقبض على عِشرين رجُلًا منهم، فضربهم وحبسهم، ولم يُنزل جَسَد الإمام الخُزاعيّ، وانشغل النَّاس بالحديث حول منع المُتوكِّل لأي اجتماع، أو القيام بأي نشاط حركي يدعُو للجدال في مسألة خلق القُرآن.[25]
مُحاربة المُعتزلة
وبعد سِتة سنوات، وتحديدًا في بِداية 237 هـ / مُنتصف 851 م، غضب المُتوكِّل على القاضي المُعتزليّ أحمد بن أبي دُؤاد وكان قاضيًا على المظالم، وأمر بمُصادرة ضياعِه، بالرُّغم من إصابته بفالج قبل أربع سنوات، وذلك في الخاِمس والعُشرُون من صَفَر / الواحِد والثَّلاثُون من أُغُسْطُس، وعيَّن بدلًا منه، القاضي السُّني يحيى بن أكثم وجعلهُ قاضيًا للقُضاة والمظالم أيضًا، وبعد عدة أشهر، حبس ابنهُ أبُو الوليد مُحَمد بن أحمد بن أبي دُؤاد والذي كان مسؤولًا عن دِيوان الخراج وعزلهُ عنها، وذلك في السَّبت، الثَّالث من رَبيع الأوَّل / السَّابِع من سَبْتَمْبَر، وزاد في ذلك أن حبس إخوته عند عُبيد الله بن السُّرّي خليفةُ صاحب الشُّرطة، وفي يوم الاثنين، حمل أبُو الوليد بن أحمد بن أبي دُؤاد مائة وعُشرُون ألف دينار، وجواهِر تصِل بقيمتها نحو عُشرُون ألف دينار، كما صُولح بعد ذلك على ستة عشر ألف ألف دِرهم، وأشهد عليهم جميعًا ببيع كُل ضيعة لهُم، وفي أثناء ذلك، تُوفي أحمد بن أبي دُؤاد اثر إصابته بفالِج قهرًا، فهو من وقف مع المُتوكِّل قبل استلامهِ الخِلافَة وجعل أخيه الخليفة الواثِق يرضى عنه بصُعوبة.[26]
إحياء السُّنة
وفي عيد الفطر 237 هـ / الثُّلاثُون من مارس 852 م، أمر المُتوكِّل بإنزال جثة الإمام والعالم أحمد بن نصر الخُزاعي، وأمر بردّه إلى أولياء أمره، ففرح النَّاس بذلك فرحًا شديدًا، واجتمع عدد هائل من الناس في جنازته كما يُروى، وجعلوا يتمسَّحُون بها وبأعواد نعشه، فكتب المُتوكِّل إلى نائبه يأمرهُ بردعهم عن التقرُّب بهذه الطريقة والمُغالاة في البشر.[27]
ثُم كتب المُتوكِّل في نفس الفترة إلى الآفاق، بالمنع من الكلام في مسألة الكلام، والكفَّ عن القول بخلق القُرآن، وأن من تعلم عِلم الكلام، وتكلَّم فيه، فالمُطبِق - وهو سجنٌ سيئ السُّمعة - مأواهُ إلى أن يمُوت، وأمر النَّاس أن لا يشتغل مِنهم أحد إلا بالكِتاب والسُّنة.[27]
وقد ذكر المُؤرِّخ ابن الأثير الجزري أن أبا الشمط مُروان بن أبي الجُنوب أنشد المُتوكِّل شِعرًا ذكر فيه الرَّافِضة - وهي تسمية أُطلقت على الشيعة ولعلَّهُ ينتقص منهم - فمنحهُ الخليفة وِلاية البَحرَيْن، واليَمامة، وأهداهُ أربعة خُلع.[2]
إكرام ابن حنبل
وقد أظهر الخليفة المُتوكِّل إكرام الإمام والفقيه العالِم أحمَد بن حَنْبَل، واستدعاه من بَغْدَاد ليأتيه في سُر من رأى، فاجتمع به وأكرمه، وأمر له بجائزة سنيَّة، فلم يقبلها، وخلع عليه خلعة سُنية من ملابسِه، فاستحى ابن حنبل كثيرًا، فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلًا فيه، ثم نزعها نزعًا عنيفًا وهو يبكي مُتأثِرًا، وقد خصص لهُ المُتوكِّل من يُرسل إليه من طعامِه الخاص كُل يوم، ويظن أنه يأكُل منه، فكان الإمام ابن حنبل لا يأكل منهُ شيئًا، بل كان صائمًا مُواصِلًا ليُطوي تِلك الأيام، ولكن كان ابناه صالِح، وعَبدُ الله يقبلان تلك الجوائز من دون علم والدهُما، ويقُول المُؤرِّخ والإمام ابن كَثِير الدِّمَشْقِيّ بأن السُّنة ارتفع شأنها عاليًا في أيَّام المُتوكِّل، وكانت هذه التحرُّكات جميعُها، كفيلة بإنهاء التأثير المُعتزلي في الشُؤون الإسلاميَّة للخِلافَة العبَّاسِيَّة والتي طُبقت منذ عهد الخليفة عَبدُ الله المأمُون.[28]
ثَورةُ حِمْص
قام الحاكِم العبَّاسِيّ على مدينة حِمْص أبُو المُغيث مُوسى بن إبراهيم الرَّافِعِيّ بقتل رجُلًا من وجُوه المدينة، فثار أهلُها طلبًا لدمِه، فهجموا على جماعة من أصحاب الحاكِم، واضطَّر للخُروج، كما خرج عامل الخِراج، وبعد أن جاءت الأنباء بخُروج المدينة عن الطَّاعة بسبب ظُلم أبُو المُغيث إلى الخليفة المُتوكِّل، تفهَّم الأمر على ما يبدو، وقرر إرسال عتَّاب بن عتَّاب، ومُحَمد بن عَبدَوَيْه الأنبارِيّ، وقال لعتَّاب: «قُل لهُم - أيّ لأهل حِمْص - إن أميرُ المُؤمِنين قد بدَّلكُم بعامِلكُم، فإن أطاعوا فولِّ عليهم مُحَمّد بن عَبدوَيْه، فإن أبوا فأقمْ وأعلِمني، حتَّى أمدُّك برجالٍ وفُرسان».[20]
فسار عتَّاب وابن عبدويه، حتى وصولوا حِمْص بحُلول رَبيع الآخر 240 هـ / سَبْتَمْبَر 854 م، إلا أن أهالي حِمْص قرروا بعد عام الثَّورة على ابن عبدويه، وأعانهُم جماعة من نَصارى المدينة، فكتب ابن عبدويه إلى الخليفة بذلك، فأمرهُ بمُناهضتِهم، وأرسل لهُ جيشًا عَبَّاسِيًا من دِمَشْق والرَّملة، فقضوا على الثَّورة، وظفروا بهم، وضرب مِنهُم رجُلين من رؤساء المدينة حتى ماتا، وصلبهُما على بابها، كما سيَّر ثمانية رجال من أشرافهِم إلى المُتوكِّل، وظفر بعد ذلك بعشرة رجال آخرون، وقد أمر المُتوكِّل بإخراج النَّصارى من المدينة، وهدم كنائسهُم، وألحق بعضها من المُتلاصقين بالجامع إلى الجامِع عِقابًا لهُم، وذلك في 241 هـ / 855 م.[29]
غزوات البجاة على مِصْر
كان شعب البَجا - والذين يتواجدون شِمال السُّودان المُعاصِر - مُهادنًا للدَّولة الإسلاميَّة على اختلاف الأسرة الحاكِمة نتيجةً لهُدنة قديمة، وكان لديهم معادِن يُقاسمون المُسلمين عليها، كما يدفعون ضريبةً إلى وُلاة مِصْر العَبَّاسِيِّين تصِل إلى الخُمس، وفي فترة الخليفة المُتوكِّل، وتحديدًا في 237 هـ / 851 م، حدث أن امتنعوا عن أداء الضريبة، فكتب صاحب البَريد بخبرهِم، وأنَّهُم قتلوا عددًا من المُسلمين ممن يعمل في المعادِن، فهرب المُسلمون منها خوفًا على أنفُسهِم، فغضِب المُتوكِّل لذلك، وشاور خاصّته في الردَّ المُناسب، فذُكر له أنهم أهلُ بادية، وأصحاب إبل وماشية، وأن الوصُول إلى بِلادهم صعبة لأنها مفاوز، وبينها وبين أرض الإسلام في مِصْر مسيرة شهر، في أرض قفر وجِبال وعِرة، وأن كُل من يدخلها من الجُيوش يحتاج التزوُّد لمدة يتوهّم أنه يُقيمها إلى أن يعُود إلى بلدِه، فإن جاوز تِلك المدة هلك وأخذهُم البُجاة باليد، وأن أرضُهم لا تقبل حاكِمًا عليها، فسكَت عنهُم المُتوكِّل ولم يتحرَّك.[30]
بعدما رأو البُجاة بعدم وجود رد فعلٍ إسلامي عليهم، طمِعُوا وزاد شرُّهُم، وبدأو بالقيام بغارَّات، حتى خاف أهل الصَّعِيد على أنفُسِهم، فقرر المُتوكِّل وضع حدًا لانتهاكاتِهم، فولَّى مُحَمد بن عَبد الله القُمّي على جُنوب مِصْر، من كُور قُفط، والأقصر، وأسنا، وأرمنت، وأسوان، وأمرهُ بمُحاربة شعب البَجاة أو البجا، كما بعث كِتابًا إلى عامِل حَرب مِصْر عَنبِسة بن إسحاق الضبِّي بأن يُمده من الجُند والمُؤن ما يحتاجُ إليه، وفعل كما أمرهُ الخليفة.[31]
سار القُمي على رأس جيشٍ إلى أرض البجاة، ولحقهُ أناس من المُتطوِّعة المصريين ومِمن عمل في المعادِن، فبلغ عددهُم نحو عُشرُون ألفًا ما بين فارسٍ ومُحارب، وقد وجَّه بتحرك سبعة مراكِب إلى بَحْر القُلزُم، مُحملة بالدقيق، والزيت، والتمر وغيره من المؤن للجُند، وأمر أن يُوافوه بهم في ساحِل البحر مِما يلي بِلاد البجاة، فسار حتى جاوز المعادِن التي يُعمل فيها الذَّهَب، وسار إلى حُصونِهم، وقِلاعهم، وخرج إليه ملكُهم، وكان يُدعى عَلِي بابا، على رأس جيشٍ كثيف يُعتقد أنه بأضعاف ما كان مع القُمي، وكان البِجاة على الإبل، فقاتلوا أيَّامًا، وتُفنى أزواد الجيش العَبَّاسِيّ، فأقبلت تلك المراكب، وفرَّق القُمي الزَّاد بين الجُند.[31]
ولمَّا رأى علي بابا ذلك، جَمع لهُم، والتقى الطرفان، فاقتتلوا اقتتالًا شديدًا، وكانت إبل البِجا تنفُر من كُل شيء، فلمَّا رأى القُمي ذلك، جمع كُل جرسٍ لدى الجيش العَبَّاسِيّ، وجعلها في أعناق خِيله، فنفرت الإبل لأصوات الأجراس، وحملت مُحاربي البِجا نحو الجِبال والأودية، فتتبعهُم العَبَّاسِيُّون وقتلوهم وأسروا منهم حتى أدركهُم الليل، ثُم عاد الجيش إلى مُعسكره، ولم يقدر على إحصاء القتلى لكثرتِهم، وكانت المعركة في بدايات عام 241 هـ / 855 م.[31]
وقد طلب ملك البِجا علي بابا الأمان بعد ذلك، فأمَّنهُ القُمي على أن يُؤدي إليهم الخراج على مدار أربعةِ عوام لم يدفعُوا خِلالها، وسار مع القُمي إلى الخليفة المُتوكِّل، واستخلف على البِجاة ابنهِ بَغَش، وحينما وصل علي بابا إلى الخليفة، أكرمهُ المُتوكِّل، وخلع عليه الخُلعة ولأصحابِه، وكسا جملِه، كما ولّى البِجاة طريق مِصْر.[31]
نقل العاصِمة إلى دِمَشْق
قرر المُتوكِّل في خُطوةٍ استثنائيَّة عن أسلافِه، أن ينقُل العاصِمة بعيدًا عن أرض السَّواد، فسار إلى دِمَشْق من طريق المَوْصِل، وبدأ رحلتُه منذ ذُو القعدة 243 هـ / مارس 858 م، حتى دَخَل المدينة في صَفَر 244 هـ / مايُو أو يُونيو 858 م، فاستحسنها، وعزم على المَقام بها، وأمر بالبناء بِها، ونقل دواوين الخِلافَة إليها، إلا أنهُ وجدها وَبِئة، فرأى أن هوائها باردٌ نَديّ، وماؤها ثقيل، والرِّيح تهبُ فيها مع العَصْر، فلا تزال تشتد حتّى يمضي عامَّة الليل، وهي كثيرة البراغيث، وأسعارُها غالية، كما وجَّه منها بُغا الكبير لغزو الصَّائفة المُعتادة ضد الرُّوم والذي افتتح صَمْلة، ثُم قرر العودة إلى سُرَّ من رأى، وذلك بعد أن أقام في دِمَشْق نحو شهرَيْن وأيَّامًا.[32]
علاقته مع العلويين
بُغضُه لعلي بن أبي طالب
كان الخليفة المُتوكِّل مُختلفًا عن أسلافِه من الخُلفاء الذين كانوا إما مُتوازنين في علاقتهم بالعلويّين مثل المِهديّ، وإما مُحبين ومُقربين لهُم مثل المأمُون، فقد اشتُهر عن المُتوكِّل بُغضُه وكراهيتهُ الشَّديدة للخليفةُ الرَّاشِدي والصَّحابي عَلِيُّ بن أبي طالِب ولأهل بيتِه وذُريته، بل كان يكره كُلًا من عمِّه المأمُون، ووالدهُ المُعْتَصِم، وأخيه الواثِق بسبب محبَّتهُم لِعليّ وأهلُ بيتِه[33] ولا يُعلم سبب كراهيتهُ له، وكان حينُ يُبلغ بوجود رجُل يتولَّى عليًّا وأهلُه، أخذهُ بالمال والدَّم، ويُروى أن رجُلًا يُدعى عُبادة المُخنَّث كان من نُدمائه في مجلسه، وكان يضعُ مخدةً تحت ثيابه في بطنِه، ويكشفُ رأسه وهو أصلع، فيرقص بين يدي المُتوكِّل والمُغنُّون يُغنون: «قد أقبل الأصلعُ البَطين، خليفةُ المُسلمين»، يقصدُون بذلك صِفات الخليفة عَلِيًا، لعلمهم بكراهية المُتوكِّل له، وكان الأخير يشربُ ويضحك على الموقف، وحدث ذلك يومًا أمام ابنهِ المُنْتَصِر، وحينما حاول عُبادة فعل ذلك، هدَّدهُ المُنْتَصِر أمام والده، فسكت عُبادة خوفًا منه، فسأل المُتوكِّل ابنه: «ما حالُك ؟»، فقام المُنتصر وقال: «يا أميرُ المُؤمِنين، إن الذي يحكيهُ هذا الكاتِبُ ويضحكُ منه الناسُ، هو ابن عمَّك، وشيخُ أهلُ بيتِك، وبهِ فخرُك، فكُل أنت لحمُه إذا شئت، ولا تُطعم هذا الكلبَ وأمثاله منه»، فنظر المُتوكِّل إلى المُغنين وقال لهُم بأن يُغنوا جميعًا بما يستفزُّ المُنْتَصِر. وكان هذا المَوقف كما يروي المُؤرِّخ ابن الأثير الجزري، من الأسباب التي استحلَّ بها المُنتصر قتل أبيه المُتوكِّل.[34]
القبض على يحيى بن عمر العلوي
قام يحيى بن عُمر بن يِحيى بن زيد بن علي زين العابدين بن الحُسين العَلويّ الهاشِميّ بحشد بعض المُوالين إليه، ولرُبما أراد الخُروج على المُتوكِّل، إلا أن الأخير سُرعان ما أتى به، فأُخذ، وحُبس في المُطبِق، وضُرب، وذلك في ذُو الحجَّة 235 هـ / يُونيو أو يُوليو 850 م.[15][22]
هدم قبر الحُسين
واستمرارًا لسياسته المُناوئة للعلويين، والشيعة بشكلٍ عام، قرر الخليفة المُتوكِّل هدم قبر ومشهد الحُسَيْن بن عَلِيُّ بن أبي طالِب في مدينة كَرْبَلاء، كما هدم المنازل والدُّور حوله، ووجَّه بأن يُبذر ويُسقى موضع قبر الحُسَيْن، وأن يُمنع النَّاس من زيارته، فنادى صاحبُ الشُرطة آنذاك قائلًا: «من وجدناه عند قبره بعد ثلاثةً، حبسناهُ في المُطبِق!»، وكان ذلك كفيلًا بهرب النَّاس، بسبب سوء سُمعة سجن المُطبِق، والذين تركوا زيارتِه، فحُرث موضع المقام وزُرع، وذلك في سنة 236 هـ / 851 م.[22][34]
تضييقه على عَلِيُّ الهادِي
كان المُتوكِّل يُراقب تحرُّكات الإمام عَلِيُّ الهادِي بن مُحَمد الجواد العَلويّ الهاشِميّ، وهو العاشِر من أئمَّة الشّيعة الإماميَّة، وكان الهادي مُقيمًا منذ ولادته في المدينة المُنوَّرة، إلا أنه بعد تولّي المُتوكِّل للخِلافة استقدمهُ إلى سُر من رأى، ليكون قريبًا منه، ويسهل الضَّغط عليه، ويُروى أنه أمر بالهُجوم على منزله ليلًا بعد أن قيل لهُ أن في منزله وسِلاحًا وكِتابًا إلى شيعته، فهجم حرس الخليفة على منزله ليلًا، ووجدوه وحيدًا في بيته، ولا يُملك بُساطًا، فكانت الأرضية من الرَّمل والحصى، وعلى رأسه ملفة من صُوف وهو يقرأ شيئًا من القُرآن أو الأذكار ويدعو، فحُمل إلى المُتوكِّل في جوف الليل.[33]
تمثَّل الهادِي بين يدين المُتوكِّل وهو يشرب، فأجلسهُ إلى جنبه، وعرض عليه كأسًا، فاستعفى الهادِي، فأعفاه الخليفة، ثُم سأله أن يسمع منه شِعرًا، فأنشده:
فبكَى المُتوكِّل حتى ابتلَّت لحيتُه، ثم أمر برفع الشَّراب في هذا المجلس، وأمر لهُ بأربعة آلاف دينار يقضي بها دينُه، وردَّهُ إلى منزلهِ مُكرمًا، وقد بقي الهادي مُحتجزًا في سُر من رأى طوال عشرين عامًا منذ قُدومه، واستمر حتى بعد وفاة المُتوكِّل.[35]
قتل ابن السكيت
قام المُتوكِّل بقتل عالمٌ نحويّ في زمانه، وهو ابن السّكِّيت، من أئمة اللُّغة، فقد نظر المُتوكِّل إلى ولديه مُحَمَّد المُعْتَز، وإبراهيم المُؤيد يومًا في مجلسِه بالقُرب من ابن السّكِّيت، وهو المعرُوف بالتشيُّع، فقال لهُ المُتوكِّل: «من أحبُ إليك، هُما أو الحَسَن والحُسَيْن ؟»، فردَّ ابن السكِّيت: «قُنبُر - يعني مولى عَلِيٌّ - خيرٌ مِنهُما»، فغضِب المُتوكِّل، وأمر الأتراك بقتلِه، فداسوا بطنِه حتى مات، وأرسل المُتوكِّل إلى ابنه بديِّته، وذلك في سنة 244 هـ / 858 م.[36]
الحروب مع الرُّوم
كانت الحروب بين المُسلمين بقيادة الخِلافة العبَّاسِيَّة والرُّوم بقيادة الإمبراطورية البيزنطيَّة مُستمرة منذ الفتوحات الإسلامية المُبكرة، وقد قام الرُّوم بالإغارة على سُمَيْساط، وهي تقع شمال الرُّها في منطقة الثُّغور سنة 245 هـ / 859 م، فقتلوا، وسبُوا، وأسروا أهلُها نحوًا من خُمسمائة، فقام عليُّ بن يحيى الأرمَنِيّ بقيادة جيش عبَّاسِيّ في شُهور الصَّيف، فأغار على حُصن لُؤلُؤة، وكان قبل ذلك تحرَّك أهالي حُصن لُؤلُؤة ومنعوا رئيسهُم من الصعود إليها حوالي شهرًا، فبعث إليهم ملك الرُّوم بطريقًا يضمن لكلّ رجُل منهم ألف دينار، بشرط أن يُسلموا إليه لُؤلُؤة، فقبلوا ذلك، وأعطاهم معاشاتهم، فسلّموا لُؤلُؤة والبطريق إلى بلكاجور في ذي الحجَّة 245 هـ / مارس 860 م، فوقع بلكاجور أسيرًا، وحُمل إلى المُتوكِّل، والذي أوكل أمره إلى الفتح بن خاقان، والذي عرض عليه الإسلام فرفض، فلما قالوا له نقتلك، فقبِل، إلا أن ملك الرُّوم قد افتداه بألف رجُل من المُسلمين.[37]
مقتله
الخلفية
يُعتبر اغتيال المُتوكِّل على الله بمثابة انقلاب حال الخِلافَة العبَّاسِيَّة وانكِماشِها، فقضت على استقلال خُلفائها وتحكُّمهم في زِمام الأمُور حتى زمنٍ طويل، وكان سبب مقتله، أنه أمر بإنشاء الكُتُب بالقبض على أملاك وضيع وَصِيف التُّركي في أصْبَهان، والجِبال، ومنحها إلى وزيره المُقرَّب الفَتْح بن خاقان، فكُتبت، فبلغ ذلك وصِيفًا وكان ذلك بمثابة بداية المُؤامرة على المُتوكِّل.[38]
وحدث أن المُتوكِّل أراد أن يُصلي بالنَّاس في أوَّلُ جُمعةٍ من رَمَضان لِعام 247 هـ / الحادي عَشَر من نُوفَمْبَر 861 م، وأراد الناس القُدوم إلى الجامع، والاستماع لخُطبتِه، وقبل أن يركبُ للصلاة، قال لهُ كُلًا من عُبيد الله بن يحيى بن خاقان، وابن عمِّه الفتحُ بن خاقان: «إن الناس قد كثروا من أهل بيتك، ومن غيرهم، فبعضٌ مُتظلِّم، وبعض طالبُ حاجة، وأميرُ المُؤمِنين يشكُو ضيق الصَّدر وعِلةٍ به، فإن رأى أميرُ المُؤمِنين أن يأمر بعض وُلاة العُهود بالصَّلاة، ونكُون معه»، فوافقهم الخليفة على رأيِهم، فأمر ابنهُ مُحَمد المُنْتَصِر بالله بالصَّلاة، فلما نهض للركُوب، سرعان ما عارض ذلك الوزيران، وقالا للمُتوكِّل: «يا أميرُ المُؤمِنين، إن رأيت أن تأمُر المُعتَز بالصَّلاة، فقد اجتمع الناس لتشرُّفه بذلك، وقد بلغ الله به»، ويُقصد أنه قد وُلد للمُعتز ولد، فوافقهم المُتوكِّل على رأيهم، ويبدو أن هذه الموافقة كانت نتيجة ثِقةً عمياء من الخليفة للوزيران، وبداية انطلاق الفِتنة، فأمر المُعتز بالصَّلاة بدلًا من أخيه المُقدَّم عليه في وِلاية العَهْد، وعاد المُنْتَصِر إلى داره في الجَعْفَرِيَّة، وزاد ذلك من غضبِه نحو أبيه والوزيران.[38]
فلمَّا فرغ المُعتز من خِطبته، قام إليه الوزيران وقبَّلا يديه وقدميه، فأثنى الناس عليه في مجلس الخليفة، فسرَّهُ ذلك، وبعد فترةٍ، وتحديدًا في عِيدُ الفِطْر المُوافق للأوَّل من شوَّال 247 هـ / الثَّامِن من دِيسَمْبَر 861 م، أمر المُتوكِّل بأن يُصلي المُنْتَصِر بالنَّاس، إلا أن عُبيد الله بن يحيى وزيرُه منعهُ من ذلك، وأقنعهُ بأن النَّاس تُريد رؤيته شخصيًا، ففعل المُتوكِّل ذلك، فلمَّا كان اليوم الثالِث من شوَّال / ، عزم المُتوكِّل، أثناء جلسة شُربٍ بها، في الإقدام على خُطوةٍ كبيرة مع وزيره الفَتح على أن يفتكَّا بالمُنْتَصِر، ومعهُ وصيف، وبُغا الكبير وجَماعة من قُواد الأتراك، وكان المُنْتَصِر قد اتَّفق مع الأتراك على قتل أبيه المُتوكِّل.[39]
لحظة مقتله
كان المُتوكِّل قد استفز ابنِه المُنتصر كثيرًا، فقبل يومٍ من مِقتلِه، وفي أثناء جلسة شرابٍ له، كان مرةً يشتمه، ومرةً يأمُر بصفعِه، ومرةً يُهدده بقتلِه، ثُم قال لوزيره الفتح: «بُرئتُ من الله ومن قرابتي من رسُول الله صلَّ الله عليهِ وسلَّم إن لم تلطِمه، - أي المُنْتَصِر -»، فقام الفَتح ولطَم المُنْتَصِر مرَّتين، ثُم قال المُتوكِّل: «اشهدوا عليّ جميعًا، أني قد خلعتُ المُستعجل»، ويقصد المُنْتَصِر، ثُم التفت إليه وقال: «سميتُك المُنْتَصِر فسمَّاك الناس لحُمقك، ثم صُرت الآن المُسْتَعجِل»، فردَّ عليه المُنتصر: «لو أمرتَ بضرب عُنُقي كان أسهلُ عليّ مما تفعلهُ بي»، ثُم أمر المُتوكِّل بالعشاء في جوف الليل، وخرج المُنتصر من عنده، وكان بُغا الشَّرابي مُتخفيًا في السَّتر، وكان في يوم نوبة بُغا الكبير وإقامته في سُمَيْساط، وكان ينُوبه في الدار لحماية المُتوكِّل ابنه مُوسى بن بُغا، ويكُون الأخير ابنُ خالة المُتوكِّل، فدخل بُغا الشَّرابي إلى مجلس الخليفة، وأمر النُّدماء بالانصراف إلى حُجرهم، فقال لهُ الفتحُ بن خاقان: «ليس هذا وقتُ انصرافِهم! وأميرُ المُؤمِنين لم يرتفِع!»، فرد بُغا: «إن أميرُ المُؤمِنين أمرني أنه إذا جاوز السبعة، لا أتركُ أحدًا، وقد شرب أربعة عَشر رَطلًا، وحرمُ أميرُ المُؤمِنين خلف السِّتارة»، فأخرجهُن من الدار، ولم يبق إلا الفتح، ورجُلٍ يُدعى عثعث، وأربعة من الخدم، وطلحة بن المُتوكِّل.[40]
وكان بُغا الشُّرابي قد أغلق الأبواب كُلها، إلا باب الشط، ومنه دخل عساكر أتراك، بيدهم السُّيوف المُسللة، فنظر إليهم طَلحة بن المُتوكِّل، واستنكر مجيئهم، فقال بصوتٍ عالٍ: «ما هذا يا سُفل؟!»، فاستيقظ المُتوكِّل على صوته، ورفع رأسُه فرآهم، فقال: «ما هذا يا بُغا ؟»، فأجابهُ بأنهم رجال الحِماية المُناوبين، فرجعوا إلى ورائهم عند كلامِه مُترددين، فصاح بُغا على جُنده: «يا سُفل! أنتُم مقتولون لا مُحالة، فموتوا كرامًا!»، فابتدره رجُل يُدعى بغلون وضرب المُتوكِّل على كتفِه وأُذُنِه فقصَّها، فصاح: «مهلًا! قطع الله يدك»، وأراد المُتوكِّل أن يهجُم عليه، إلا أن باغر أقبل عليه طاعِنًا، فقال الفتح: «ويلكُم! أميرُ المُؤمِنين..!» ورمى بنفسِه على المُتوكِّل ليحميه، فبعجُوه بسيُوفِهم وقتلوه، ثُم قتلوا المُتوكِّل، وذلك في ليلةِ الأربِعاء، الرَّابِع من شوَّال 247 هـ / الحادِي عَشَر من دِيسَمْبَر 861 م[40]، وكان يبلغُ من العمر نحوًا من أربعُون سنةً، وأحدَ عَشَر شهرًا، حسب التقويم الهِجري، بينما عُمرُه في التقويم المِيلاديّ، نحوًا من تسعةً وثلاثُون سنةً، وتِسعة شُهورٍ، وكانت خِلافتهُ أربعة عَشرَ سنةً، وعشرةُ شُهورٍ، وثلاثةُ أيَّام، ودُفن بالمُتوكَّليَّة.[41]
بعد مقتله
بعد خُروج المُنتصر من دار والدهُ الخليفة، أخذ بيد الحاجِب زُرّافة، وأراد أن يُزوج ابن زُرافة بابنة أوتامش، وهو قائدٌ تُركي، وبينما هُم جالسان يأكُلان، إذ سمعا صوت ضجّةٍ وصُراخ، فقاما، وإذا بُغا الكبير قد رأى المُنتصر، فسألهُ الأخير عمَّا يحدُث، فأجابهُ بُغا: «خيرٌ يا أميرُ المُؤمِنين»، قال المُنْتَصِر: «ما تقول ويلك؟!»، فرد: «أعظم الله أجرُك في سيّدنا أميرُ المُؤمِنين، كان عبد الله دعاهُ فأجابه!»، فجلس المُنتصر، وأمر بإغلاق باب الدار الذي قُتل فيه الخليفة المُتوكِّل، وأُغلقت الأبواب كُلها، وبعث إلى وَصِيف يأمرهُ بإحضار المُعتز والمُؤيد عن رسالة المُتوكِّل، ومن ثُم يُبايع للخِلافَة، إلا أنه لم يستمر أكثر من سِتةُ أشهر، حتى قتلهُ الطبيب ابن الطَّيفوري بالسُّم بإيعاز من الأتراك.[42]
سياساته الداخلية
وُزرائه
ابن الزيَّات
كان الوزير الأوَّل للخليفة المُتوكِّل هو مُحَمد بن عَبد المَلِك الزيَّات، والمعرُوف اختصارًا بابن الزيَّات، ولم يُعينه المُتوكِّل على الوِزارة في أوَّل الأمر، بل أقرَّهُ على عملِه نتيجةً لأنه كان وزيرًا في عهد أخيه الخليفة الواثِق بالله، وأباهُ المُعْتَصِم بالله من قبلهما، إلا أن ابن الزيَّات لم يرعى للمُتوكِّل، ولم يهتم به، بل احتقرُه وأنزل من شأنه وهو أميرٌ عَبَّاسِيّ مُرشح للخِلافَة، بل وأشار بتولية مُحَمد بن الواثِق وهو طفلًا صغيرًا لم يبلُغ، وكان المُتوكِّل قد حاز على فُرصتِه للانتقام منه، فكان أول القرارات الهامَّة التي أصدرها في السَّابِع من صَفَر 233 هـ / الخامِس والعُشْرُون من سَبْتَمْبَر 847 م، أي بعد أحَدَ عَشر يومًا من خِلافتِه، هي القبضُ على ابن الزيَّات، ومُصادرة جميع أمواله من عقار وأموال وضِياع أهلُ بيته حيث كانت، وكانت قد بلغت قيمة المُوجودات تسعُون ألف دينار، وقد نال ابن الزيَّات شتَّى الأنواع من العذاب الشديد، حتى قضى نحبه نتيجة التعذيب بعد واحدًا وأربعُون يومًا من حبسِه، أي في الحادي عَشَر من رَبيع الأوَّل 233 هـ / السَّادس من نُوفَمْبَر 847 م.[43]
أحمد بن خالد
استكتب المُتوكِّل للوِزارة بعد ابن الزيَّات، أبُو الوزير أحمد بن خالد، والذي كان في عهد الخليفة الواثِق بالله مُساعدًا لعُمر بن فرج الرُّخجي في ديوان النفقات، ولم يُسمه المُتوكِّل بدايةً بالوزير، بل جعلهُ كاتبًا له، حتى غضب منه في ذُو الحجَّة 233 هـ / يُوليو 848 م، وأمر بمُحاسبته، فصادر منه نحوًا من سُتون ألف دينار، وحليًا، واثنان وسُتون سُقطًا، وأربعًا وثلاثُون غُلامًا، كما حبس بسببه جماعة من الكُتاب، وطالبهُم بالكثير من الأموال حتى يخرجُوا من سجنه.[44]
عبيد الله بن يحيى بن خاقان
اختار المُتوكِّل بعد أحمد بن خالد، وزيرًا من أصُولٍ فارِسيَّة، يُدعى عُبيد الله بن يِحيى بن خاقان في مُستهل عام 234 هـ / يُونيو 848 م، وكان لهُ معرفة في الحِساب والاستيفاء، كما كان رجُلًا كريمًا، وحسن الخُلق، وعفيف الطِّباع، فكان الجُند يحبُّونه، وقد حصل في وزارته حادثة تُبين مقدار الفساد الذي كان عند وُلاة وعُمال المُتوكِّل بسبب عدم ضبط الإدارة الماليَّة، وقد استمر عُبيد الله بن خاقان وزيرًا للمُتوكِّل حتى مقتل الأخير في الرَّابِع من شوَّال 247 هـ / الحادِي عَشَر من دِيسَمْبَر 861 م.[44]
الدواوين
ديوان الخراج
أجرى المُتوكِّل تغييرات في ديوان الخراج، فقد قرر عزل الفَضْل بن مَروان في يوم الأربعاء، السَّابِع عَشَر من رمضان 233 هـ / الثَّامِن والعُشرُون من أبْريل 848 م، وعيَّن بدلًا منه يحيى بن خاقان الخُراسانيّ، وهو مولى أزديّ، كما عزل في نفس اليوم أبو الوزير أحمد بن خالد عن ديوان زمام النَّفقات، وعيَّن بدلًا منه إبراهيم بن العبَّاس الصُّوليّ[12]، وبعد أن تُوفي الصُّولي في شَعبان 243 هـ / دِسَمْبَر 857 م، عيَّن المُتوكِّل الحَسَن بن مُخلَّد الجرَّاح والذي استمر في عمله حتى وفاة المُتوكِّل.[32][45]
ديوان المظالم
عزل المُتوكِّل مُحَمد بن أحمد بن أبي دُؤاد عن المظالم في العُشرُون من صَفَر 237 هـ / السَّادس والعُشرُون من أُغُسْطُس 851 م، وعيَّن بدلًا منه مُحَمد بن يعقُوب، المعرُوف اختصارًا بأبي الرَّبيع.[26]
القضاء
في بِداية 237 هـ / مُنتصف 851 م، عزل المُتوكِّل القاضي المُعتزليّ أحمد بن أبي دُؤاد وكان قاضيًا على المظالم، وأمر بمُصادرة ضياعِه، وعيَّن بدلًا منه، القاضي السُّني يحيى بن أكثم وجعلهُ قاضيًا للقُضاة والمظالم أيضًا، إلا أنه بعد ثلاثة أعوام، عزل المُتوكِّل ابن أكثم من منصب قاضي القُضاة، وصادر منه خمسٌ وسبعُون ألف دينار[29]، وقيل ثمانُون ألف دينار[46]، كما استولى على العديد من أراضيه في البَصْرة حتى بلغت سبعةُ آلاف جريب، ثم ولَّى الأمير جَعْفَر بن عبد الواحِد العَبَّاسِيّ مكانُه.[29]
الجيش العبَّاسِيّ
كان تكوين الجيش العَبَّاسِيّ على النحو الذي قرَّرهُ المُعْتَصِم بالله من حيث الإكثار من الأتراك، والذي قضى بازدياد نُفوذهم في الدَّولة مع كُل خليفة قادِم، واستبدادهم لشُؤونها، وقد أحسَّ المُتوكِّل بخُطورة هذه السياسة، وأراد أن يُقلل ضِعف شوكتهُم، ويُخفف من حدة نُفوذهم، فبدأ بإيتاخ الخَزَري، والذي كان مُسؤولًا كبيرًا في الدَّولة، فلم يستطع القضاء عليه في عاصِمته سُر من رأى وهو بين قومِه وجُنده، فاستطاع الاحتيال عليه والقضاء عليه في بَغْدَاد.[47]
ولكراهيَّة المُتوكل بالأتراك جُندًا وقُوادًا، كره حتى مدينة سُر من رأى، والتي أُنشئت لهُم، فحاول أن يتوجَّه إلى دِمَشْق، واستقرَّ بها شهرين، بهدف نقل عاصِمة الخِلافَة إليها، فتحرَّك الأتراك مُنزعجين طلبًا لأرزاقِهم وأرزاق عيالهم، وحاولوا إثارة الشَّغب عليه، لأنهم ظنوا أن المُتوكِّل سيستعين بمُحاربين عرب، وسُلطة عربيَّة بسبب اختياره لبِلاد الشَّام موقعًا مُضادًا، إلا أنه استوبأ دِمَشْق، ولم يستطع على جوِّها البارِد، وثلجِها المُتساقِط، فتركها عائدًا إلى سُر من رأى، ويقول المُؤرِّخ مُحَمَّد الخُضري بك أن الأتراك هُم الذين حملُوه على العودة.[48]
سياسته الخارجية
العلاقة مع الإمبراطوريَّة البيزنْطِيَّة
كانت العلاقات في فترة المُتوكِّل مع الإمبراطوريَّة البيزنْطِيَّة أو مملكة الرُّوم، تتسم بالعدائيَّة والكرَّ والفرّ بين الطرفين منذ الفُتوحات المُبكرة، وكانت لا تنقطع إلا لهدنة مُؤقتة، ففي عام 238 هـ / 852 أو 853 م، جاء ثلاثُمائة مركب لغُزاةٍ من الرُّوم نحو مِصْر، ونزلوا في أقصى الشِّمال، وتحديدًا في مدينة دُمْياط، وكان والي مِصْر عنبسة بن إسحاق الضبيُّ قد استدعى الجُند الذين كانوا في دُمياط من أجل الاحتفال بالعيد في الفُسطاط، فدخلها الرُّوم وهي فارغة من الجُند، فنهبوا، وأحرقوا، وسبوا، وكان في أثناء الحملة الرُّومية رجُلًا يُدعى بُسر بن الأكشف مُقيَّدًا في الحبس بأمرٍ من عنبسة، فكسَّر قيدُه، وخرج يُقاتل الرُّوم، وقتل منهم جماعة، فسار الرُّوم نحو أشنُوم تِنِّيس، فنهبوا مافي من سلاح، وعادو إلى بلادِهم، وفي نفس الوقت، كان المُسلمون يفعلون مثل ذلك في غزوات الصَّائفة على امتداد العواصِم والثُّغور، فكانت الحُروب كرًا وفرًا ورُبما بأعداد بسيطة من كِلا الجانبين، كما جرى بينهما تبادُل لآلاف الأسرى بين فترات زمنيَّة مُختلفة في عهده.[49][50]
العلاقة مع اليعفُريين
في آخر سنة من حُكم المُتوكِّل، بدأت سُلالة لحُكم اليَمَن نيابةً عن الخِلافَة العبَّاسِيَّة، وهي اليعفُريين، وكان جدهم عبدُ الرَّحيم أو عبد الرَّحمن بن إبراهيم الحوَّالي نائبًا عن الأمير جَعْفَر بن سُليمان بن علي العَبَّاسِيّ، والذي كان واليًا في عهد المُعْتَصِم بالله على نجد اليَمَن، وصنعاء وما جاورها، وبعد أن تُوفي عبدُ الرَّحمن، قام مقامِه ابنهُ يعفر بن عبد الرحمن الحوالي، وهو من تُنسب إليه السُلالة، فكان رأس الدَّولة، إلا أنه كان يخشى من الزيَّادِيُّون، ويدفعُ لهم خراجًا يُحمل إليهم كأنه عامِلًا لهُم، ونائبًا عنهم، وكان ابتداء استقلال يعفُر باليَمَن ومُلكِه صَنْعاء، في سنة 247 هـ / 861 م.[51]
النهضة العُمرانيَّة
للخليفة المُتوكِّل العديد من الإنجازات العُمرانيَّة والشَّواهد التي لا تزال باقية حتى اليوم، فقد بنى مدينة المُتوكِّليَّة والتي تقع شمال سُرَّ من رأى (قُرب قضاء الدور حاليًا)، وشيَّد عددًا من القُصور، أهمُّها قصر اللُّؤلُؤة، والقصر الهارُوني، والقصر الجَعْفَري، وقصر الجُوسق في أرض العِراق.[52]
بناء المُتوكليَّة
أمر المُتوكِّل ببناء مدينة الماحُوزة، ويُقال الماخُورة، فسُميت بالجعفريَّة بدايةً، إلا أنه غلب عليها تسمية المُتوكَّليَّة نُسبةً للتسمية التي تبنَّاها الخليفة المُتوكِّل وأتباعِه، وقيل أنه أنفق على بنائها مع قصرٍ للخِلافة يُدعى اللُّؤلُؤة، قُرابة ألفي ألفَ درهم، كما حفر نهرًا يُسقي ما حولها.[53] وقد دخل المُتوكِّل للمدينة ونزل في قصر اللُّؤلُؤة في يومِ عاشُوراء 246 هـ / التَّاسِع من أبريل 860 م، واستدعى بقُراء القُرآنِ أولًا، ثم بالمُطربين، وأعطى وأطلق للناس، وكان يومًا مشهُودًا، واستقر بها حتى قُتل.[54][38] ولم تُعمر المدينة كثيرًا من بعده، فسُرعان ما أخربت وهُجرت.[53]
جامع المُلَويَّة
بنى المُتوكِّل جامعًا في مدينة سُرَّ من رأى، وسُمي بجامع سامَرَّاء الكبير، وبات من أبرز الشَّواهد وأهمُّها من الحضارة العبَّاسيَّة ومن الشَّواهد التي نجت من الغزو المغُوليّ والتيموري، إذ يتميَّز بعمارته الفريدة ومأذنته الحلزونيَّة.[52]
بُني الجامع بين عامي 234 - 237 هـ / 848 - 851 م، وتُمثل أحد المعالم النَّادرة والمُهمَّة في الحضارة العبَّاسِيَّة، وأحد أكبر الجوامع في ذلك الزمان بعد جامع أبُو دلف، وقد بلغت النَّفقة عليه آنذاك ثلاثُمائة ألف، وثُمانمائة ومائتين واثني عشر دينارًا عبَّاسِيًا، وقد استُعمل في بنائه آجر النَّجف، ونُقوض حُملت من بَغْدَاد، كما يضُم جامع سامرَّاء الكبير سُورًا مُستطيلًا مع جُدران مُدعمة بأبراج، وتبلغ مساحتهُ الكليَّة 38,000 مترًا مُربعًا، ليتَّسع لقُرابة مائة ألف مُصلٍ، كما يحمل سقفهُ الرئيسي حوالي 488 عمُودًا.[55]
جامع أبو دلف
بُني جامع أبُو دلف في عام 246 هـ / 859 م، ويُعد واحدًا من أشهر المساجد الإسلاميَّة التي بُنيت على الطِّراز العبَّاسِيّ، بمئذنتهِ الحلزونيَّة، وأكبُرها في ذلك الزمان، والتي بُنيت في مدينة المُتوكَّليَّة التي أفُل نجمها سريعًا وهُجرت في أيام الخليفة المُعْتَمِد على الله، وهو حفيد المُتوكِّل.[56]
وقد سُمي الجامِع في زمنٍ مُتأخر على اسم القائدُ العبَّاسِيّ العربيّ أبُو دَلَف العَجَلِيّ الذي عمل في زمن كُلًا من الخليفتين الرَّشيد، والمأمُون.[56]
تبلغُ مساحة المسجد 46,800 مترٍ مُربَّع، ويبلغ طُول الأضلاع 180 و260 مِترًا، يتوسط الجامِع صحنٌ مكشوف تُحيط به عِدة أروقة، إلا أن من أهم ما يُميز المسجد هو مئذنتهُ الحلزونيَّة اللَّولبيَّة، حيث تُشكل خمسة ممرات، وتنتهي بمصطبة تعلو عن الأرض بمقدار خمسُون مترًا، والتي تقع خارج أسواء الجامِع، ويدل بناء المئذنة على تماثُل الحركة في الطَّواف بعكس اتجاه عقارب السَّاعة، والمفهوم الفلكيّ الذي تأثر به عددًا من الخُلفاء العبَّاسِيين بسبب اهتمامهم بعلك الفلك.[56]
حياته الشخصية
أُسرتُه
كان جَعْفَر المُتوكّل أحد أبناء مُحَمَّد المُعْتَصِم بالله من أُم ولد خوارزميَّة، فكان لهُ ثمانية من الإخوة من أُمهاتٍ شتَّى، وهُم:[57]
إخوته
- هارون الواثق بالله
- أحمد المستعين بالله
- مُحمد الأكبر
- مُحمد الأصغر
- علِي
- إبراهيم
- عبد الله
- العبَّاس الأعرج
جواريه
قبيحة الرُّوميَّة
تُعتبر قبيحة من أشهر الجواري في زمانها، وأكثرها حُظوظًا لدى الخليفة المُتوكِّل، ولها أخبار كثيرة، كانت امرأة من أصلٍ رُوميّ فائقةُ الجمال، وسُميت قبيحة بشكلٍ مُضاد حيث أن المُتوكِّل خاف عليها من إصابة للعين، وقد ولدت لهُ مُحَمد المُعتز بالله، وإسماعيل. وقد عاشت قبيحة بعد المُتوكِّل وكان الأتراك ومنهم صالح بن وصيف قد سلبوها مالها، والذي بخلت بهِ على ابنها المُعتز حينما تم خلعُه من قبل الأتراك، ضُمن ما يُعرف بفوضى سامرَّاء. تُوفيت قبيحة سنة 264 هـ / 878 م.[58]
إسحاق الأندلسية
كانت إسحاق جارية أندلُسيَّة مولَّدة ومُحظية لدى المُتوكِّل، فولدت لهُ ولديه إبراهيم، وطلحة، وقد عاشت طويلًا من بعد المُتوكِّل، حيث وافتها المنيَّة في التَّاسِع عَشَر من جُمادى الآخرة 270 هـ / السَّابع والعُشرُون من دِيسَمْبَر 883 م.[59]
فَضْل اليماميَّة
كانت فَضْل جارية سمراء، وشاعِرة أديبة وفصيحة، مُتقدمة عن عصرِها، ومن أظرف النَّاس في وقتِها، ولدت في اليَمامة، ونشأت في البَصْرَة، ثُم اشتراها رجُل من النخاسين بعشرة آلاف درهم، فابتاعها منه مُحمد بن الفرج الرُّخَّجي، والذي أهداها إلى المُتوكِّل، وكانت تجلسُ في مجلسه، وتُعارض الشُّعراء بحضرته بعض الأحيان، وكان المُتوكِّل يُجيزها بالأموال الكثيرة لإجادتها للشعر، وإعجابه بها.[60]
محبُوبة المُتوكّليَّة
محبُوبة هي جارية شاعِرة ومُغنية مُقدِّمة في الحالتين على طبقتها، كانت حسنة الوجه والغناء، وقد أهداها عُبيد الله بن طاهر للمُتوكِّل بعد أن وُلي الخِلافة، وذلك ضُمن جُملة أربعُمائة جارية تُجيد الغِناء أو بدون، فتقدَّمتهُن جميعًا عنده.[61]
فريدة المُتوكَّليَّة
كانت فَرِيدة جاريةٌ حسناء، وتُجيد الغِناء، كانت في البداية عند الخليفة الواثِق بالله، ومن أكثر المُحظيات المُقرَّبات لديه، وبعد أن مات الواثِق، أُهديت إلى المُتوكِّل بعد مُبايعتهِ بالخِلافة، فتزوَّجها، وحظيت عنده.[62]
ذُرَّيتُه
أنجب الخليفة المُتوكِّل عددًا كبيرًا من الأبناء حيث بلغ عددهُم ثلاثة وعُشرُون، من أُمهاتِ ولدٍ شتَّى، وهُم:[63]
- محمد المنتصر بالله
- محمد المعتز بالله
- أحمد المعتمد على الله
- إبراهيم المُؤيد
- مُحمد طلحة
- مُحمد أبو الحسن
- مُحمد أبو عيسى
- مُحمد أبو حفص
- مُحمد أبو مُحمد
- مُحمد أبو الفضل
- مُحمد أبو العبَّاس
- مُحمد أبُو مُوسى
- مُحمد أبو بكر
- عبد الرَّحمن
- جَعْفَر
- إسماعيل
- الفضل
- يعقُوب الأحدب
- عبدُ الله
- الغيداف أبو شيبة
- مُوسى
- المُؤمل
- يعقُوب
- عبدُ الله القاسِم
صفتهُ الخلقيَّة
كان الخليفةُ المُتوكِّل، أسمر البشرة، حسِن العَينين، نحيف الجسم، خفيفُ العارِضين.[2]
دينُه
كان المُتوكِّل متمذهباً بمذهب الشافعي وهو أول من تمذهب له من الخلفاء.
ميراثُه
يعتبره عدد من العلماء محيي السنة ومميت البدعة أمثال الذهبي وخليفة بن خياط لإنهائه فتنة خلق القرآن، فقال خليفة بن خياط: «استخلف المتوكل، فأظهر السنة، وتكلم بها في مجلسه، وكتب إلى الآفاق برفع المحنة، وبسط السنة، ونصر أهلها.»، [64] وقال فيه إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة: «الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق قاتلَ أهل الردة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز ردَّ مظالم بني أمية، والمتوكل محا البدع وأظهر السنة»، [65] وقال ابن الجوزي: «أطفأ المتوكل نيران البدعة، وأوقد مصابيح السنة».[66] ويرى أخرون أنه كان ناصبيًا لهدمه قبر الحسين، مثل السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء، [67] وقال صلاح الدين الصفدي: «وكان معروفًا بالنصب فتألم المسلمون لذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان.»، وقيل: «لم يصح عنه النصب».[64][65]
من أخباره
روى الطبري في تاريخه:[68] قال (محمد بن عبد الملك وزير الواثق): أتاني جعفر بن المعتصم (هو المتوكل) يسألني أن أسال امير المؤمنين الرضا عنه في زي المخنثين له شعر قفا، فكتب إليه الواثق: ابعث إليه فأحضره، ومر من يجز شعر قفاه، ثم مر من يأخذ من شعره ويضرب به وجهه، واصرفه إلى منزله؛ فذكر عن المتوكل أنه قال: لما أتاني رسوله، لبست سوادا لي جديدا، وأتيته رجاء أن يكون قد أتاه الرضا عنى.فقال: يا غلام، ادع لي حجاما، فدعي به، فقال: خذ شعره واجمعه، فأخذه على السواد الجديد ولم يأته بمنديل، فأخذ شعره وشعر قفاه وضرب به وجهه.قال المتوكل: فما دخلني من الجزع على شيء مثل ما دخلني حين أخذني على السواد الجديد، وقد جئته فيه طامعا في الرضا، فاخذ شعرى عليه اه
وُصف للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي، فوجه إليه في جوف الليل أن احمل إلي عائشة، فسأله أن يصفح عنها، فإنها القيمة بأمره، فأبى ثم حملها بالليل، فوطئها، ثم ردها إلى منزل أبيها (المحاسن والأضداد للجاحظ ص 118[69]).
في سنة 238ه، ظفر المتوكل بإسحاق ابن إسماعيل؛ مولى بنى أميّة بتفليس. فلمّا قصدها أمر النفاطين فضربوها بالنار. واحترق في المدينة نحو خمسين ألف إنسان. صاحب تجارب الأمم وتعاقب الهمم (4/ 300).[70]
مراجع
فهرس المنشورات
- ^ أ ب ابن كثير (2004)، ص. 1626.
- ^ أ ب ت ابن الأثير (2005)، ص. 994.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1924.
- ^ الخضري (2003)، ص. 238.
- ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 978.
- ^ أ ب ت ابن الأثير (2005)، ص. 979.
- ^ أ ب الطبري (2004)، ص. 1891.
- ^ أ ب ابن كثير (2004)، ص. 1608.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1892 - 1893.
- ^ ابن العمراني (1999)، ص. 116.
- ^ أ ب ت ابن الأثير (2005)، ص. 980.
- ^ أ ب ت الطبري (2004)، ص. 1894.
- ^ أ ب الطبري (2004)، ص. 1895.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 980 - 981.
- ^ أ ب ت ث ابن الأثير (2005)، ص. 981.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1897.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1609 - 1610.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 982 - 983.
- ^ أ ب الطبري (2004)، ص. 1899.
- ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 987.
- ^ أ ب الخضري (2003)، ص. 246.
- ^ أ ب ت ث ابن كثير (2004)، ص. 1610.
- ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 984.
- ^ أ ب الطبري (2004)، ص. 1899 - 1901.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1906.
- ^ أ ب الطبري (2004)، ص. 1905.
- ^ أ ب ابن كثير (2004)، ص. 1611.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1609.
- ^ أ ب ت ابن الأثير (2005)، ص. 988.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 988 - 989.
- ^ أ ب ت ث ابن الأثير (2005)، ص. 989.
- ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 990.
- ^ أ ب الخضري (2003)، ص. 242.
- ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 983.
- ^ الخضري (2003)، ص. 242 - 243.
- ^ السيوطي (2004)، ص. 276.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1919.
- ^ أ ب ت ابن الأثير (2005)، ص. 992.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 992 - 993.
- ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 993.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1627.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 997.
- ^ الخضري (2003)، ص. 239.
- ^ أ ب الخضري (2003)، ص. 240.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1624.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1612.
- ^ الخضري (2003)، ص. 243.
- ^ الخضري (2003)، ص. 244.
- ^ الخضري (2003)، ص. 247.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 986 - 987.
- ^ الخضري (2003)، ص. 246 - 247.
- ^ أ ب "بنى مدينة المتوكلية والمئذنة الملوية في العراق.. الخليفة المتوكل الذي قتله قادة جنده". ساحات التحرير. 16 ديسمبر 2021. مؤرشف من الأصل في 2023-12-24. اطلع عليه بتاريخ 2023-12-24.
- ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 991.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1625.
- ^ "قصة الإسلام | جامع الملوية .. المسجد الكبير في سامراء". islamstory.com. مؤرشف من الأصل في 2023-12-25. اطلع عليه بتاريخ 2023-12-24.
- ^ أ ب ت "بالصور.. جامع أبو دلف في سامراء وفرادة المئذنة الإسلامية". العين الإخبارية. 16 سبتمبر 2016. مؤرشف من الأصل في 2023-12-24. اطلع عليه بتاريخ 2023-12-24.
- ^ العباسي (2000)، ص. 81.
- ^ ابن الساعي (1960)، ص. 94.
- ^ العباسي (1960)، ص. 82.
- ^ ابن الساعي (1960)، ص. 84 - 87.
- ^ ابن الساعي (1960)، ص. 92.
- ^ ابن الساعي (1960)، ص. 100 - 101.
- ^ العباسي (2000)، ص. 83.
- ^ أ ب سير أعلام النبلاء، الطبقة الثالثة عشر، المتوكل على الله، جـ 12، صـ 31: 41 نسخة محفوظة 30 مارس 2019 على موقع واي باك مشين.
- ^ أ ب صلاح الدين الصفدي. الوافي بالوفيات جـ 9. دار الكتب العلمية. ص. 78، 79. مؤرشف من الأصل في 2019-12-08.
- ^ ابن الجوزي. مناقب أحمد بن حنبل. دار ابن خلدون. ص. 313. مؤرشف من الأصل في 2019-12-08.
- ^ الكامل في التاريخ، ابن الأثير، سنة سبع وأربعين ومائتين
- ^ تاريخ الطبري (9/ 157)
- ^ المحاسن والأضداد للجاحظ ص 118
- ^ صاحب تجارب الأمم وتعاقب الهمم (4/ 300)
فهرس الوب
معلومات المنشورات كاملة
الكتب مرتبة حسب تاريخ النشر
- Q123371389، QID:Q123371389
- Q56367172، QID:Q56367172
- Q123463845، QID:Q123463845
- Q123424538، QID:Q123424538
- Q123224571، QID:Q123224571
- Q123368203، QID:Q123368203
- Q123224476، QID:Q123224476
- Q123225171، QID:Q123225171
قبلــه: هارون الواثق بالله |
الخلافة العباسية 847 – 861 |
بعــده: محمد المنتصر بالله |
- بوابة أعلام
- بوابة الإسلام
- بوابة التاريخ
- بوابة التاريخ الإسلامي
- بوابة الدولة العباسية
- بوابة العصور الوسطى
- بوابة اليونان
جعفر المتوكل على الله في المشاريع الشقيقة: | |
- أشخاص من محنة خلق القرآن
- حكام القرن 9 في أوروبا
- حكام في آسيا في القرن 9
- حكام في إفريقيا في القرن 9
- خلفاء عباسيون في القرن 3 هـ
- خلفاء عباسيون في القرن 9
- خلفاء مغتالون
- شخصيات من ألف ليلة وليلة
- عرب في القرن 9
- مسلمون عرب
- ملكيون قتلوا في القرن 9
- مواليد 205 هـ
- مواليد 206 هـ
- مواليد 822
- مواليد في سامراء
- وفيات 247 هـ
- وفيات 861
- وفيات في سامراء
- حكام في إفريقيا القرن 9