|
|
سطر 1: |
سطر 1: |
| {{معلومات نزاع عسكري
| | #تحويل [[الحملة العباسية على آسيا الصغرى (806)]] |
| | اسم_النزاع = الحَمْلَةُ الإِسْلَامِيَّةُ عَلَى آسِيَا الصُغْرى (806)
| |
| | جزء_من = [[الحروب الإسلامية البيزنطية]]
| |
| | صورة = Asia Minor ca 780 AD-ar.svg
| |
| | تعليق = خريطة آسيا الصغرى التابعة للإمبراطورية البيزنطية ومنطقة الحدود البيزنطية العربية عام 780.
| |
| | تاريخ = [[11 يونيو]] [[806]]
| |
| | مكان = [[الأناضول]]
| |
| | نتيجة =انتصار العباسيين واسئناف مؤقت لدفع الجزية من قبل البيزنطيين.
| |
| | خصم1 = [[ملف:Abbasid Flag.png|20بك]] <small>[[الدولة العباسية]]</small>
| |
| | خصم2 = [[ملف:Labarum of Constantine the Great.svg|18بك]] <small>[[الإمبراطورية البيزنطية]]</small>
| |
| | قائد1 = [[هارون الرشيد]]
| |
| | قائد2 = [[نقفور الأول]]
| |
| | قوة1 = غير معروفة
| |
| | قوة2 = غير معروفة
| |
| | صندوق_حملة ={{صندوق حملة الحروب الإسلامية البيزنطية}}
| |
| }}
| |
| '''فَتْحُ هرقلة''' أَوْ '''الحَمْلَةُ الإِسْلَامِيَّةُ عَلَى آسِيَا الصُغْرى 806م''' أْوَ '''الغَزْوُ العَبَّاسِيُّ لِآسِيَا الصُغْرى عَامَ 806م''' أكْبَر حملةٍ عسكريةٍ شَنَّتها [[الدولة العباسية|الخلافة العباسية]] على [[الإمبراطورية البيزنطية]] بعد حصار الرشيد للقسطنطينية (165هـ/782م)، وكانت بقيادة الخليفة [[هارون الرشيد]] (حكم ما بين 170-193هـ/[[787]]-[[809]]م). كان البيزنطيون قد هاجموا المناطق [[عواصم|الحدودية]] في [[805|العام السابق]] واحتلوا منطقة الثغور الإسلامية وهددوا منطقة العواصم تهديداً مباشراً بقيادة [[نقفور الأول]] (حكم ما بين [[802]]-[[811]]).
| |
| | |
| أراد الرشيد ردّاً رادعاً يتناسب مع نقض نقفور المتكرر للصلح الذي كان يطلبه كل مرة. وفق المصادر الإسلامية التي تناولت الوقائع يقدر الجيش العباسي بما بين مائةٍ وخمسين ألفاً ومئتي ألفٍ منهم 135,000 جنديٍّ نظامي. هاجمت الحملة إِقليم [[كبادوكيا|قباذوقية]] فلم تلق مقاومةً جديةً بسبب تخوف البيزنطيين من مواجتهها وخسارة قوتهم الضاربة فيصبح الطريق مفتوحاً لغزو باقي الأناضول، وهكذا استولى الرشيد على عددٍ من [[مدينة|المدن]] [[حصن|والحصون]] أهمها مدينة [[هرقلة (بيزنطة)|هِرَقْلَة]] أو هِرَقْلِيَة مما أجبر نقفور على طلب الموادعة مقابل [[جزية|أداء الجزية]]، غير أنّه انتهك شروط [[معاهدة|المعاهدة]] بعد انسحاب المسلمين، وأعاد احتلال الثغور الحدودية التي كان أُجبر على التخلي عنها.
| |
| | |
| هذه الانتهاكات لم تُواجَه بردودٍ قويةٍ اللهم إلا الهجوم المضاد المباغت الذي سارع إليه الرشيد واحتل بنتيجته مدينة ثيباسا. ويعزى السبب إلى كون هذه الانتهاكات أعادت الحدود إلى سابق عهدها المستقر بين الدولتين منذ عهد الأمويين فلم تشكل تهديداً جدياً للدولة، كما أنها جاءت بعد انشغال الرشيد بمواجهة ثورات المتمردين في [[خراسان الكبرى|خراسان]] (الأرجح قيام نقفور بها بعد ورود معلوماتٍ استخباراتية عن فتن خراسان)، ونجاح خطة الرشيد في الردع ما أدى إلى إقلاع نقفور عن سياسته العدوانية تجاه العباسيين. ثم أتت وفاة الرشيد بعد ثلاث سنوات، واندلاع [[الفتنة الرابعة|الحرب بين الأمين والمأمون]] التي بدأت عام [[809]]م، فضلاً عن انشغال بيزنطة [[الإمبراطورية البلغارية الأولى|بالحروب مع البلغار]]. هذه العوامل كلها ساهمت في وقف [[الحروب الإسلامية البيزنطية]] لعقدين من الزمن.
| |
| | |
| == الخلفية التاريخية ==
| |
| | |
| بعد عدة فتوحاتٍ عباسيةٍ في [[الأناضول|آسيا الصغرى]] اضطرت الإمبراطورة أيرين أن تجنح للسلم وتطلب صلحاً لأربعة أعوامٍ من الخليفة هارون الرشيد، وبموجبه تقرّر<ref name="تاريخ الدولة العباسية">طقوش 2009، p.103.</ref> تبادل الأسرى وتوقّف العباسيين عن غزو الأراضي البيزنطية مقابل عودة بيزنطة لأداء الجزية السنوية وفق الشروط التي كان متفقاً عليها في هدنة ثلاث السنوات السابقة التي تلت أول حملةٍ واسعة النطاق شنها [[هارون الرشيد]] العام 165هـ/782م إبان خلافة أبيه «محمد المهدي» (158-169هـ/775-786م) وحاصر فيها القسطنطينيّة.<ref name="Brooks126">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Brooks|1923|p=126}}.</ref><ref name="Treadgold113">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|p=113}}.</ref><ref name="EHW1">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Kiapidou|2002|loc=[http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State=#chapter_1 Chapter 1] {{استشهاد ويب |مسار=http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State= |عنوان=Archived copy |تاريخ الوصول=2012-03-22 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20131029190725/http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State= |تاريخ أرشيف=2013-10-29 |url-status=unknown}}}}.</ref> وبعد عزل [[إيرين الأثينية|أيرين أثينا]] في تشرين الأول/أكتوبر 802م، وتَولي قائد الجيش الحكم باسم نقفوريوس الأول (نقفور الأول عند المؤرخين المسلمين) مفتتحاً عهد الأسرة المقدونية بدأت [[الحروب الإسلامية البيزنطية|الغارات والمناوشات العسكرية]] تشتد وتستعر. ويبدو أنه كان عدوانياً محباً للحرب فوفقاً لمصدر [[اللغة السريانية|سرياني]] فقد قام [[إلبيديوس]] أحد النبلاء البيزنطيين المنشقين اللاجئين إلى الدولة العباسية بعد علمه بتولي نقفور الأول بتحذير والي [[الجزيرة الفراتية|منطقة الجزيرة الفراتية العليا]] ناصحاً إياه أن يدع لباس ال[[حرير]] ويتأهب لما هو قادم. ابتدأ نقفور سياسةً عدوانيةً فقد كان -كمغتصبٍ للعرش- بحاجةٍ للشرعية التي تعضد حكمه، وارتأى تحقيقها عبر نصرٍ على العدو التقليدي لبيزنطة ألا وهو العرب.
| |
| | |
| يرى البعض أن نقفور كان مصمماً على إعادة ملء الخزينة الإمبراطورية من خلال عدة تدابيرَ أبرزها وقف أداء [[جزية|الجزية]]،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|pp=127, 130}}.</ref> بل ذهب أبعد من ذلك فطلب استرداد [[جزية|الجِزى]] التي أدتها أيرين بحجة أنها إنما فعلت ذلك ضعفاً منها لأنها امرأة<ref name="تاريخ الدولة العباسية" /> تلميحاً إلى حاكمٍ جديدٍ وسياسةٍ جديدةٍ، لكنّ كتابه الفظ شديد اللهجة الذي أرسله إلى الخليفة يوضّح بجلاءٍ أن هدفه الفعلي استثارة حفيظة ساسة الدولة العباسية أكثر من حقيقة عَوَزه للمال، فقد كان بمنزلة نُذُر حربٍ، إذ توعّد العباسيين صراحةً بالحرب إن لم ينزلوا على شروطه التي لايُتصور قبولها:<ref name="تاريخ الطبري، م:8 (سنة:187هـ) ص:308">الطبري 839-923، p.8/308.</ref>
| |
| {{اقتباس خاص|من نقفور ملك الروم،<br />إلى هارون ملك العرب،<br />أما بعد، فإن الملكة التي كانت قبلي(<small>يقصد أيرين</small>) أقامتكَ مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البَيْدق، فحملت إليكَ من أموالِها ما كُنتَ حَقيقاً بحمل أمثالها إليها، لكن ذاك ضعف النساء وحُمْقُهن، فإذا قرأتَ كتابي، فاردد ما حصل قِبَلك من أموالها، وافتدِ نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا فالسيفُ بيننا وبينك}}
| |
| ما إن قرأ الخليفة الكتاب حتى غضب غضباً شديداً، «واستعجم الرأي على الوزير أن يشير عليه» على حد وصف [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] (توفي 320هـ)، فدعا بدواةٍ وكتب على ظهر الكتاب<ref name="تاريخ الطبري، م:8 (سنة:187هـ) ص:308" /> رسالةً مُختصرةً غدت مضرب المثل:
| |
| {{اقتباس خاص|{{بسملة 2}}<br />من هارون أمير المؤمنين،<br />إلى نقفور كلب الروم،<br />قد قرأت كتابك ياابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام}}
| |
| ولوضع جوابه سراعاً قيد التنفيذ قام ربيعَ العام 803م بحملةٍ عسكريةٍ رافقه فيها ابنه [[القاسم بن الرشيد|القاسم]].<ref name="تاريخ الدولة العباسية" /> ولم يستطع نقفور الرد فوراً لأنه واجه تمرداً واسع النطاق في صفوف جيشه في الأناضول بقيادة قائد جيشه [[باردينس توركوس]] إلى أن استطاع التخلص من باردينس وحشد قواته، واتجه لصد ثاني أكبر حملةٍ عسكريةٍ عباسيةٍ حتى ذلك الوقت يقودها الخليفة نفسه. بعد مداهمة الرشيد للمنطقة الحدودية متوغّلاً في منطقة قباذوقية،<ref name="تاريخ الدولة العباسية" /> تواجه الجيشان لشهرين دونما خوض أي معركةٍ، إذ قام الحاكمان بتبادل الرسائل وبعدما عرض نقفور الموادعة على بدلٍ نقديٍّ يدفعه توصلا إلى اتفاق هدنةٍ لما تبقى من العام.<ref name="Brooks126"/> وافقَ الرشيد على الهدنة وقام بالانسحاب مكتفياً بما حقّق.<ref name="تاريخ الدولة العباسية" /><ref name="Brooks126"/><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|pp=131–133}}.</ref>
| |
| | |
| في العام التالي (804م) مع انتهاءِ الهدنةِ عبرت قوةٌ عسكريةٌ عباسيةٌ بقيادة إبراهيم بن جبريل [[جبال طوروس]] جنوبي الأناضول، ورغم تجهز نقفور لمواجهتها إلا أنه فوجئ بهزيمةٍ كبيرةٍ كاد فيها ألا ينجو بحياته في [[معركة كراسوس]] ما أدى إلى طلبه الهدنة مجدداً مقابل المسالمة وأداء الجزية. قبلَ الخليفةُ ووجدها فرصةً ليتفرغ للفتن التي اشتعلت في خراسان. إثر ذلك تبودِل الأسرى في الشتاء على الحدود بالقرب من [[نهر ليمونلو]] في [[قيليقية|قِلِيقِيَا]]، فجرت مبادلة 3,700 مسلمٍ مقابل الأسرى البيزنطيين من السنوات السابقة.<ref name="Brooks126"/><ref name="EHW1"/><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|p=135}}.</ref>
| |
| | |
| توجّه الرشيد إلى خراسان لكنه -لاهتمامه بأمر الجبهة البيزنطية وتوجسه شراً من نقفور- ولىّ ابنه القاسم أميراً على المنطقة لمراقبة الحدود. كانت المناطق الحدودية مقسمةً بناءً على الاستراتيجية الحربية للدولة إلى منطقة [[تخم|الثغور]] وهي مجموعة الحصون والقلاع والمدن المحصنة على الحدود بين الدولتين التي يمكن أن يتوغل فيها العدو في حال تحقيقه المفاجأة (بمنزلة منطقة مناورةٍ وامتصاصٍ للهجمات المباغتة، ومشاغلة وتأخير أي هجومٍ معادٍ ريثما يتم الحشد الرئيس في منطقة العواصم)، ومنطقة [[عواصم|العواصم]] وتتألف من مجموعةٍ من المدن الكبيرة نوعاً ما -وتضم الأقاليم الخلفية فضلاً عن الحصون الجنوبية- بحيث يمكنها أن تحشد في أقرب وقتٍ جيشاً نظامياً متأهباً للتحرك في هجومٍ مضادٍّ، وامتدت من [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] حتى الفرات. دعيت الأولى [[تخم|بالثغور]] لأنها تفضي إلى خارج حدود الدولة (تشبيهاً بثغر الإنسان)، فيما دعيت الثانية عواصمَ لأنها تعصم المناطق الداخلية في الإمبراطورية الإسلامية وتحميها. عنت التسمية التمييزَ بين المنطقة الحدودية الجنوبية والحصون الشمالية الخارجية المتاخمة لحدود الدولة البيزنطية. كان للدولة منطقتا ثغور غربية في قليقيا الغربية شمال جبال طوروس، وشرقية على نهر الفرات، وجُعلت [[منبج]] (شمال شرقي حلب) لتوسّطها عاصمةً لمنطقة العواصم ومقراً للقيادة العسكرية الرئيسة (بمنزلة هيئة الأركان)، ثم غدت أنطاكيّة العاصمة لتركز المناوشات والهجمات على المنطقة الغربية أكثر لخطورتها كونها أقرب إلى القسطنطينية.<ref name="تاريخ الدولة العباسية - صفحة: 101-102">طقوش 2009، p.101-102.</ref>
| |
| | |
| استغل نقفور الفرصة ربيع 805م، ونقض العهد بإعادة بناء الحصون المدمرة في عدة مدنٍ شملت صفصاف و[[ثيباسا]] و[[القرة]]، وبحلول الصيف قام بأول غارةٍ على الثغور الحدودية العربية الإسلامية في قليقيا الغربية (أول حملةٍ بيزنطيةٍ استطاعت التوغل في أراضي الإمبراطورية الإسلامية منذ عقدين) فداهم البيزنطيون المناطق المحيطة بالحصون في [[المصيصة|المُصَيْصَة]] و[[عين زربة]] وحازوا أسرى. قامت الحامية العسكرية في المُصَيْصَةِ -بعمليةٍ عسكريةٍ شجاعةٍ- بمباغتة القوة البيزنطية بهجومٍ مضادٍّ واستعادت معظم الأسرى والغنائم، غير أن البيزنطيين اتجهوا إلى [[طرسوس]] (أحد الثغور الإسلامية، 15 كم شمال شرق [[مرسين]]) التي كان الرشيد أمر عام 786م بإعادة بناء حصونها وتهيئتها وتعزيزها ضد الهجمات دعماً لبسط السيطرة على قليقيا الغربية، وسرعان ماسقطت قليقيا الغربية بيد البيزنطيين وأسرت الحامية العسكرية بأكملها.
| |
| | |
| قضت الخطة البيزنطية بالهجوم على محورين؛ محورٌ رئيس باتجاه قليقيا الغربية (شمال غربي خليج إسكندرونة وتضم حصوناً ومدناً استراتيجيةً مثل طرسوس والمُصَيْصَة وعين زربة وحصن الصقالبة)، ومحورٌ لتشتيت الانتباه ومشاغلة الحاميات المرابطة حيث قامت قوة بيزنطية في الوقت نفسه بهجومٍ تضليليٍّ فداهمت حدود الجزيرة الفراتية العليا (تقع بين نهري الفرات ودجلة) إلا أنها لم تنجح بمحاصرة [[ملطية|حصن مدينة مَلَطْية]] واجتياز الفرات، كما بدأ تمرد بتحريضٍ بيزنطيٍّ على الحامية العربية الإسلامية المرابطة في قبرص.<ref name="Brooks126"/><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|pp=135, 138–139}}.</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Bosworth|1989|pp=261–262}}.</ref>
| |
| | |
| أثارت عودة الهجمات البيزنطية المفاجئة القلق السياسي العام، وتلقى الخليفة تقاريرَ استخباراتيةً واستطلاعيةً تفيد بأن نقفور قد يُخطط لهجماتٍ مشابهةٍ العام المقبل تهدف لتهديد منطقة العواصم. هدف الرشيد من حملته رد الاجتياح البيزنطي الذي غدا يهدد منطقة العواصم التي عيّن ابنه [[القاسم بن الرشيد|القاسم المؤتمن]] أميراً عليها.<ref name="تاريخ الطبري، م:8 (سنة:187هـ) ص:302">الطبري 839-923، p.8/302.</ref> ويعتقد المؤرخ الأمريكي المُتخصّص في التاريخ البيزنطي [[وارن تريدغولد]] بأنه لو تمكّن البيزنطيون من تحقيق أهدافهم من تلك الحملات (<small>احتلال العواصم</small>)، فإن الحاميات العسكرية البيزنطية في طرسوس وملطية كانت ستغلق بشكل جزئي الطرق الرئيسية أمام الاجتياحات العربية عبر طرسوس نحو الأراضي البيزنطية الأمر الذي كان سيصب في صالح البيزنطيين حسب قوله. ورأى تريدغولد بأن هدف نقفور الأول من تلك الحملات -بالرغم من إدراكه التفوق العددي والتعبوي (اللوجستي) الذي تتمتع به دولة الخلافة- كان على الأرجح استعراضاً للقوة من جانبه واختبارًا منه لقوة العباسيين.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|p=139}}.</ref>
| |
| | |
| إلا أن استشفاف الوضع الداخلي في القسطنطينية لربما يرينا وجهة نظرٍ أخرى؛ فنقفور قائد الجيش الذي وثب على العرش يفتقد إلى الشرعية التي تسند سلطته وتدعّم مُلْكَه، وقد قمع بعد توليه بأشهرٍ تمرداً عسكرياً واسعاً زحف حتى أسوار القسطنطينية قاده قائد الجيش [[باردينس توركوس]] الموالي لأيرين المليكة السابقة، ولأجل ذلك واستناداً للحجة التي أزاح بها الملكة الشرعية وهي تخاذلها أمام المسلمين وقبولها بشروطٍ مذلّةٍ الصلحَ معهم فقد كان لزاماً عليه -وهو المفترض به العسكري المحنك- أن يثبت علو كعبه في الميدان بمواجهة عدو شديد المراس عانت منه بيزنطة الكثير على مدى قرنين تقريباً.
| |
| | |
| == الحملة ==
| |
| | |
| بعدما حسمَ الأمور في خراسان في تشرين الثاني/نوفمبر 805م تفرغ الرشيد للحدود الغربية، فجهز لحملةٍ ضخمةٍ بهدف رد الاعتبار وردع نقفور عام 806م، وحشد القوات من [[بلاد الشام|الشام]] و[[بلاد فارس|فارس]] و[[مصر]]. وفقاً [[محمد بن جرير الطبري|للطبري]] بلغ عديد الجيش 135,000 جندي نظامي، وبإضافة الكتائبَ من الجند الاحتياط والمتطوعة يتوقع أن يراوح العدد ما بين مئةٍ وخمسين ألفاً ومئتي ألفٍ، وحسب ادعاءات [[ثيوفان المعترف|تيوفان المعرّف]] البيزنطي وصل العدد إلى 300,000 جندي مما يجعله أكبر الأرقام المسجلة في تاريخ العصر العباسي بأكمله، وهو ما يفوق مقدرة [[الجيش البيزنطي]] بكثير. على الرغم من أن إحصائيات تيوفان مبالغ فيها دون شك، إلا أنها تعطي فكرةً عن حجم القوات العباسية. في الوقت نفسه ولّى الرشيد [[حميد بن معيوف الهمداني]] قائداً للبحرية على سواحل بحر الشام إلى مصر بهدف تجهيز بحريته لمهاجمة قبرص.<ref name="تاريخ الطبري، م:8 (سنة:190هـ) ص:320">الطبري 839-923، p.8/320.</ref><ref name="Tabari262">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Bosworth|1989|p=262}}.</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Mango|Scott|1997|p=661}}.</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Kennedy|2001|pp=99, 106}}.</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|p=144}}.</ref>
| |
| [[ملف:Arab-Byzantine frontier zone-ar.svg|يسار|تصغير |خريطة المنطقة الحدودية البيزنطية-العربية شمال غربي بلاد الشام حيث وقعت الحملة العباسية عام 806]]
| |
| | |
| غادر الجيش العباسي الضخم انطلاقاً من [[الرقة|مدينة الرقة]] (التي يتخذها الرشيد محل إقامته في الشام ليكون قريباً من الجبهة) في 11 حزيران/يونيو 806م،{{ملا|group=م|لعشر بقين من رجب من العام 190هـ حسب تاريخ الطبري}} تحت إمرة الخليفة نفسه، ونقل [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] أن الرشيد اتخذ خوذةً نُقِشت عليها عبارة «'''غازٍ حاج'''».<ref name="تاريخ الطبري، م:8 (سنة:190هـ) ص:320-321">الطبري 839-923، p.8/320-321.</ref> عبر العباسيون قليقيا حيث أمر الخليفة بإعادة بناء [[طرسوس]] ودخل المدينة البيزنطية [[كبادوكيا|قباذق]] (إحدى الثغور البيزنطية) عبر [[بوابات قيليقية|المداخل القليقية]] أو باب قيلقية، ثم توجه إلى مدينة [[طوانة]] -ضمن الأراضي البيزنطية- التي انسحب منها البيزنطيون أمام جيشه، وفيها بدأ تأسيس قاعدة عملياته (مقر قيادة وإرسال حملات)، فأمر عقبة بن جعفر الخزاعي بإعادة ترميمها وإقامة [[مسجد]] فيها، وأرسل قائده [[عبد الله بن مالك الخزاعي]] ليستولي على «ذي الكلاع» (سيدروبالوس) ومنها توجّه ابن عم الخليفة داود بن [[عيسى بن موسى]] مع نصف الجيش العباسي (نحو سبعين ألفاً وفقاً للطبري) إلى مدينة قباذق المدمرة، وقام القائد شراحيل بن [[معن بن زائدة]] الشيباني بالاستيلاء على ما يُسمى قلعة السلاف الشهيرة باسم «حصن الصقالبة»، بالإضافة إلى مدينة دلسا (ثيفا) التي كان أُعيد بناؤها مؤخراً بناءً لأوامر نقفور، بينما استعاد [[يزيد بن مخلد]] حصن الصفصاف [[ديرنكويو|وملقونية]]، وامتدت سيطرة الجيش العباسي إلى '''مغارة الكحل'''{{Sfn|Honigmann|1935|p=85–86}} المعروفة في المصادر البيزنطية باسم أندراسوس {{إنج|Andrasos}} {{لغة-يونانية|Ἀνδρασσός}}؛ التي يُستدل من تاريخ [[يحيى بن سعيد الأنطاكي]] بأنها قريبة من [[المصيصة]]،<ref name="تاريخ الأنطاكي، ص:94">الأنطاكي 975–1066، p.8/320.</ref> ويُعتقد أنها نواحي [[كبادوكيا|قباذوقية]] اليوم،{{ملا|group=م|أندراسوس: {{إنج|Andrasos}} {{لغة-يونانية|Κύζιστρα}}؛ معجم الجغرافية التاريخية لدولة تركيا - بيلغه أومار - صفحة: 71 - دار الانقلاب {{تر|İNKILAP KİTABEVİ}}، تركيا.}} كذلك قاموا بمحاصرة كيزيسترا (<small>من نواحي [[قيصرية (محافظة)|قيصرية]] اليوم</small>{{ملا|group=م|كيزيسترا: {{إنج|Kyzistra}} {{لغة-يونانية|Κύζιστρα}}؛ معجم أسماء المناطق - التي غُيّرت - في تركيا - سيفان نيشانيان - صفحة: 198 - طبعة: إسطنبول، تركيا.}})؛ وفيما واصل الرتلُ الأولُ (نصف الجيش) توغله -جذباً للانتباه- حتى مشارف القرّة (من منطقة العواصم البيزنطية) ولم يحتلها، أوغل الرشيد مع نصف جيشه الآخر جنوباً بغربٍ وفتح هرقلة بعد شهرٍ من الحصار في آب/أغسطس أو أيلول/سبتمبر.{{ملا|group=م|كان ذلك في شوّال من العام 191هـ، حسب ابن كثير الجزري}}، وأمر بهدم المدينة التي نُهِبت، وأسر أهلها ورُحّلوا إلى دولة الخلافة. في الفترة نفسها غزا [[حميد بن معيوف الهمداني|ابن معيوف]] قبرصَ ودمرها وأسر حوالي سبعة عشر ألفاً من سكانها بمن فيهم رئيس أساقفتها، فأقدمهم الرافقة (قرب الرقة)، وبلغ فداء أسقف قبرص ألفي دينار على ما ذكر ابن الأثير الجزري في تاريخه.<ref name="الكامل في التاريخ، م:5 (سنة:190هـ) ص:342">ابن الأثير الجزري 1160-1233، p.5/342.</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|pp=144–145}}.</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Bosworth|1989|pp=262–263}}.</ref><ref name="EHW2">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Kiapidou|2002|loc=[http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State=#chapter_2 Chapter 2] {{استشهاد ويب |مسار=http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State= |عنوان=Archived copy |تاريخ الوصول=2012-03-22 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20131029190725/http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State= |تاريخ أرشيف=2013-10-29 |url-status=unknown}}}}.</ref>
| |
| | |
| لم يتمكن نقفور الأول الذي تفوق عليه البلغار بالعدد وشكلوا مصدر تهديدٍ له من مقاومة الزحف العباسي، ومع انتصاره في بعض الاشتباكات المحدودة على كتائبَ في مناطقَ معزولةٍ فقد بقي على إدراكٍ تام بحجم وأهمية الجيش العباسي الرئيسي. في النهاية وبسبب احتمال قيام الرشيد بحملةٍ للاستيلاء على القرّة خلال الشتاء (تدعى شاتية وهي الحملة التي تتم في الشتاء) قرّر نقفور ابتعاث سفارةٍ على مستوى عالٍ، ثلاثة [[رجل دين|رجال دين]] هم: [[ميخائيل سينادا|ميخائيل]] أسقف [[سينادا]]، وبطرس رئيس ال[[دير]] في غولايون، وجرجير (ربما جرجس) ممثل مدينة [[أماصرة|آماسرا]] عارضاً الصلح والإقرار بالجزية، وافق الخليفة على الصلح الذي تضمن جزيةً سنويّةً قدرها 30,000 [[صوليدوس]] [[ذهب]]ي (عملة بيزنطية) وفقاً لتيوفان وخمسون ألفاً وفقاً للطبري، بالإضافة إلى فرض الرشيد '''جزية شخصية''' كعقابٍ رمزي بحق الإمبراطور وابنه ولي عهده [[ستوراكيوس]] عبارةً عن ثلاث قطعٍ ذهبيةٍ من العملة عن كل واحدٍ منهما تُقدّم للخليفة (تُؤدى مرتين أو أربع مرات على التوالي وفقاً للطبري). كانت هذه العقوبة بمنزلة إقرارٍ بأن الإمبراطور البيزنطي وابنه ولي عهده قد أصبحا من أتباع الخليفة، كما اشتُرط على نقفور ألا يُعيد بناء الحصون المدمّرة. وبناءً على المعاهدة أمر الخليفة بالانسحاب من المناطق المُحاصرة وأخلى الأراضي البيزنطية التي وصلتها قواته ولم تتمركز بها بعد.<ref name="EHW2"/><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Bosworth|1989|p=263}}</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|pp=145, 408 (Note #190)}}.</ref><ref name="Mango & Scott 1997 662">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Mango|Scott|1997|p=662}}.</ref>
| |
| | |
| == تداعيات الحملة ==
| |
| تلا اتفاقية الصلح تبادلٌ وديٌ مفاجئ بين هارون الرشيد ونقفور الأول، فقد روى الطبريُّ أنّ نقفوراً طلب من الخليفة أن يرسل له عطوراً وفتاةً من هرقلية (هرقلة) كعروسٍ مرشحةٍ لابنه ستوراكيوس، كما أورد أنّ الرشيد أمر بالبحث عن هذه الفتاة وتم إحضارها وتزيينها وحملها على مقعدٍ ٍفي خيمةٍ سبق أن أقام فيها الخليفة نفسه، وتم تسليم الفتاة والخيمة ومحتوياتها والسفن وتجهيزاتها إلى مبعوث نقفور، وأرسل الرشيد أيضاً عطوراً إلى الإمبراطور كان طلبها إضافة إلى تمرٍ وأطباقِ حلوى هلاميةٍ وزبيبٍ وأدوية.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Bosworth|1989|p=264}}.</ref><ref name="Treadgold146">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|p=146}}.</ref>
| |
| | |
| رد نفقور الأول الجميل وأرسل حصاناً محملاً بخمسين ألف قطعةٍ نقديةٍ فضيةٍ ومئة قطعةٍ من قماش الساتان ومئتي قطعةٍ من الديباج الفاخر واثني عشر صقراً وأربع كلاب صيدٍ وثلاث خيولٍ أخرى، لكنه بمجرد انسحاب العرب قام باستعادة الحصون الحدودية واستنكف عن أداء الجزية (الأرجح قيامه بذلك بعد ورود معلوماتٍ استخباراتيةٍ عن فتن خراسان واضطرار الرشيد للانسحاب). وفقاً لتيوفان فإن الرشيد أمر على الفور وبشكلٍ غير متوقعٍ (المقصود بشكلٍ مباغتٍ إذ من غير المعقول أن تمر هكذا حادثة من دون توقع هجومٍ مقابل) بالعودة إلى ثيباسا (من ثغور الدولة البيزنطية) والاستيلاء عليها كردٍّ على ذاك التصرف لكن هذا الأمر لم يتم إثباته في مصدرٍ آخر، غير أن موقف تيوفان المعروف بعدائه وتحيزه ضد العرب يمنح مصداقيةً إضافيةً لهذه الرواية.<ref name="Brooks126"/><ref name="Mango & Scott 1997 662"/><ref name="Treadgold146"/>
| |
| | |
| شن العرب غاراتٍ انتقاميةً متتابعةً في العام التالي (807م) بهدف ترسيخ هيبتهم أمام البيزنطيين واجهت إحداها قادها [[يزيد بن مقلد الحبيري الفزاري]] الهزيمة وسقط فيها يزيد نفسه على أرض المعركة، أما الغارة الكبرى التي قادها [[هرثمة بن أعين]] فتصدى لها نقفور بنفسه وتراجع كلا الطرفين بعد معركةٍ غير حاسمة. أغار البيزنطيون على [[مرعش (مدينة)|مدينة مرعش]] بالمقابل، بينما شن [[حميد بن معيوف الهمداني|ابن معيوف]] غارةً بحريةً ضخمةً أواخر الصيف فتح إثرها [[رودس|جزيرة رودس]] (في بحر إيجه والقريبة جداً من البر الأسيوي) وأوغلت حتى وصلت إلى أقصى حدود شبه جزيرة ال[[بيلوبونيز]] (أرض اليونان التاريخية وفيها المدن اليونانية الرئيسية) وأثارت فيها تمرداً بين السكان [[سلاف|السلافيّين]] المحليين. خسر [[حميد بن معيوف الهمداني|ابن معيوف]] العديد من السفن بسبب [[عاصفة]] في طريق عودته، وتم إخماد الثورة السلافية بعد [[حصار باتراس|فشل السيطرة]] على [[باتراس]].<ref name="Brooks127">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Brooks|1923|p=127}}.</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|pp=147–148}}</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Bosworth|1989|pp=267–268}}.</ref> توقفت الجهود العباسية ذاك العام بسبب تمرد [[رافع بن الليث]] في خراسان مما أجبر الرشيد على المغادرة إلى الشرق مرة أخرى، وأبرم هدنة جديدة وتبادلاً آخر للأسرى في لاموس عام 808م فأتاح لنقفور الأول الإبقاء على مكاسبه؛ الحصون الحدودية والتوقف عن أداء الجزية.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|p=155}}.</ref>
| |
| | |
| == التأثيرات ==
| |
| [[ملف:Arabische Eroberung 2.jpg|200بك|تصغير|يسار| خريطة التوسع الإسلامي والعالم الإسلامي في ظل الخلافة الأموية وبدايات الخلافة العباسية من [[القرن 7|القرن السابع]] إلى منتصف [[القرن 10|القرن العاشر]] الميلادي.]]
| |
| من الناحية العسكرية حققّت حملة الرشيد نتائجها المرجوة وهو الردع غير أنها لم تُحقّق فتحاً دائماً، ذلك أن نقفوركان سبّاقاً إلى انتهاك الهدن والمعاهدات التي كان يُبرمها. وحسب بعض الباحثين الغربيين لو أخذ الرشيد بآراء بعض قادته واتجه نحو الغرب البيزنطي لفتح مدنه الكبرى لكان الضرر الذي لحق بالبيزنطيين طويل الأمد، إلا أنه -على ما يظهر- كان يعتقد بأن استعراض القوة العسكرية كفيلٌ بإرهاب نقفور ومنعه من تكرار هجماته، وبالأحرى فإن الفتن في خراسان كانت دائماً تمنعه من حصد نتائج حملاته وتجعله واقعاً بين نارين.{{محتوى مرجعي|a}}
| |
| | |
| يمكن القول بأن فتح هرقلة حقق نجاحاً مؤكداً إذ إن نقفور بعد العام 806 تخلى عن جميع خططه الاستفزازية قِبَلَ العباسيين، والسبب غالباً يعود إلى الأعباء المادية الباهظة الناتجة عن حربٍ طويلة الأمد مع دولةٍ بحجم الدولة العباسية، ووجّه بدلاً من ذلك إمكانياته نحو الإصلاحات المالية واستعادة [[البلقان]] وحروبه مع البلغار (ثمة شكوكٌ -لئن تك غير مؤكدة فلأن القضايا الاستخباراتية تكتنفها السرية دوماً- بتلقي البلغار دعماً عباسياً في صراعهم مع بيزنطة).<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|pp=146, 157ff}}.</ref><ref name="EHW3">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Kiapidou|2002|loc=[http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State=#chapter_3 Chapter 3] {{استشهاد ويب |مسار=http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State= |عنوان=Archived copy |تاريخ الوصول=2012-03-22 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20131029190725/http://asiaminor.ehw.gr/Forms/fLemmaBodyExtended.aspx?lemmaid=7896&boithimata_State=&kefalaia_State= |تاريخ أرشيف=2013-10-29 |url-status=unknown}}}}.</ref>
| |
| تعود أهمية فتح هرقلة من وجهةٍ '''عسكريةٍ''' محضة لكونها عاصمةً مهمةً في منطقة العواصم البيزنطية، فمع أن نقفور لم يمكنه تجاوز منطقة الثغور الإسلامية إلا أن الرشيد في حملته اللاحقة أثبت أن يستطيع الوصول إلى قلب منطقة العواصم البيزنطية (هرقلة وطوانة والقرّة) وتهديدها تهديداً جدياً فضلاً عن الخسائر المادية، وهو الأمر الذي أراد من نقفور اكتناهه ويقود إلى هدفه '''الاستراتيجي''' الذي ابتغى تحقيقه وهو '''الردع'''. من هذا المنظور فإن الحملة (والحرب عموماً بوصفها صراعُ إراداتٍ) حققت هدفها كما أراده لها الرشيد.
| |
| | |
| على أن جهود نقفور الأول كلها انتهت بمقتله بشكلٍ مأساوي في [[معركة بليسكا]] الكارثية عام 811م ضد البلغار والتي دُمّر فيها الجيش البيزنطي بأجمعه تقريباً. من جانبٍ آخر مرت الخلافة العباسية بمرحلة عدم استقرارٍ بعد وفاة هارون الرشيد في 24 آذار/مارس809 حين نشبت حرب أهلية بين ابنيه [[محمد الأمين|الأمين]] (<small>حكم ما بين 809-813</small>)، و[[عبد الله المأمون|المأمون]] (<small>حكم ما بين 813-833</small>) عُرفت ب[[الفتنة الرابعة]]، وبسببها لم يهتم العباسيون بالتحولات في الدولة البيزنطية والضعف الذي حاق بها.
| |
| | |
| كانت الحملة العسكرية التي شُنّت العام 806 بقيادة الرشيد وأدّت إلى فتح هرقلة، والصائفة (في الصيف) التي سيّرها بقيادة هرثمة بن أعين العام 807،<ref name="تاريخ الطبري، م:8 (سنة:191هـ) ص:323">الطبري 839-923، p.8/323.</ref> آخر الحملات العباسية المُنظمة الرئيسية ضد البيزنطيين والتي امتدت لأكثر من عشرين عاماً، وباستعراض تاريخ الطبري لم تحدث حتى عام 833 حملاتٌ واسعة النطاق<ref name="تاريخ الطبري، م:8 (سنة:191هـ) ص:327">الطبري 839-923، p.8/327.</ref> جرى خلالها اختراق الحدود بين الجانبين حتى جلس [[ثيوفيلوس]] على العرش (<small>ما بين 829-842</small>) حيث قاد مواجهاتٍ عسكريةً تصدّى لها المأمون الذي توفي غازياً في طرسوس، ومِن بعده [[المعتصم بالله]] (<small>حكم ما بين 833-842</small>)، وكانت هذه المواجهات العسكرية الواسعة والعابرة للحدود استئنافاً للمواجهات بين الدولتين.<ref>cf. {{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Brooks|1923|pp=127ff}}.</ref><ref>cf. {{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Treadgold|1988|pp=144–152, 157ff}}.</ref>
| |
| | |
| لايمكن تقدير أهمية الحملة من دون النظر إلى تاريخ الصراع بين الدولتين. كانت الدولة البيزنطية عقب نحو قرنين من الفتوحات العربية الإسلامية في حالةٍ شديدة الوهن، فمن جهةٍ خسرت أراضيها ومواردها في الشام ومصر وشمالي إفريقية وقبرص ولم يتبق لها في الأناضول إلا غربي الفرات وفي أوروبا اليونان وتراقيا (وهو السبب الذي أسهم في توسع دولةٍ ناشئةٍ كالبلغار على حسابها، والحروب البلغارية-البيزنطية التي عانت بيزنطة طويلاً لحسمها)، وهي لن تستفيد من مردود النشاط الاقتصادي بفعل الموقع الاستراتيجي المتميز للقسطنطينية إلا بعد انتعاش التجارة الدولية عبر المتوسط بعد ذلك بقرنين بدءاً من القرن الحادي عشر الميلادي.
| |
| | |
| من جهةٍ أخرى كانت الخلافة الإسلامية أيام الرشيد دولةً تمتد من أواسط آسيا إلى شمالي إفريقية ومن القوقاز والأناضول إلى اليمن والسند (البنجاب)، وتسلسل الأحداث يرينا أن البيزنطيين كانوا دوماً لايستطيعون أكثر من الإغارة نقضاً للهدنة أو الصلح، ثم الانكفاء أمام توغل جيش الخلافة، ثم طلب الهدنة مجدداً، ليعودوا إلى نقضها فيما بعد وهكذا، والحق إن من غير المعقول أن العرب كانوا على غير درايةٍ عميقةٍ بوضع بيزنطة واستقرارها، ولكنهم كانوا ينظرون إلى المعارك معها كاشتباكاتٍ حدوديةٍ خارجية، في حين كان الخلفاء يولون الفتن (الثورات) الداخلية أهميةً أكبر بكثير. كان العباسيون إمبراطوريةً عالميةً دونما منافسٍ، وكانت وحدة دولتهم شاسعةِ الأرجاءِ أولويةً بالنسبة إليهم في زمنٍ كانت الأخبار والتحركات تقتضي أسابيع حتى ترد إلى العاصمة.
| |
| | |
| فإلى جانب الخلافة الأموية ثم العباسية لايمكننا الحديث عن البيزنطيين كإمبراطوريةٍ في ذلك الوقت، بل كدولةٍ مجاورةٍ صغيرةٍ ليست سوى ظلٍّ باهتٍ لما كانت عليه أيام [[جستينيان الأول|جوستنيان]] (527–565م)، حتى إن العرب المسلمين كانوا أكثر من وصل أسوار القسطنطينية وحاصروها عبر التاريخ إذ بلغ عدد حملاتهم التي حاصرتها بدءاً من سنة 674م ثمانية آخرها حملة الرشيد عام (165هـ/782م)، ثم أتت مرحلةٌ كانت فيها الحرب سجالاً بين الطرفين (مع أفضلية نسبية للبيزنطيين) أيام الحمدانيين وكانوا إمارةً صغيرةً في حلب (القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي)، ثم شهد القرن الحادي عشر الميلادي تمدداً بيزنطياً نحو الساحل الشامي بسبب الضعف الداخلي العام، أما بعد ذلك على عهد السلاجقة فاستؤنف الصراع على أشده حتى استولت دولة سلاجقة الروم (عاصمتها نيقية ثم قونية)، ثم الدويلات التركمانية -ومنها العثمانيون- (بعد سقوط بغداد) على معظم الأناضول.
| |
| | |
| كانت حملةُ هارون الرشيد على هرقلة ذاتَ تأثيرٍ عميقٍ في الأعمال الأدبية، ووفقاً للمسعودي فقد ارتبطت بالكثير من قصص المبالغات بين العرب (طبعاً لأهميتها)، وحظيت بأهميةٍ عظمى عند [[أتراك عثمانيون|الأتراك العثمانيين]]. ذكر المؤرخ [[أوليا جلبي]] أحداث حملة الرشيد عام 782م قائلاً إنه حاصر [[القسطنطينية]] مرتين انسحب في أولاها بعدما استولى على مساحاتٍ شاسعةٍ جداً من أراضي بيزنطة مشيداً قلعةً هناك (تؤوّل كمحاكاةٍ لقصة الملكة [[عليسة]] بالرغم من أنه لايوجد أدنى رابطٍ بين الأسطورة الكنعانية-الفينيقية وهارون الرشيد، ولم يأتِ على ذكرها أحد من المؤرخين المسلمين، وعلى الأرجح البيزنطيين أيضاً)، وفي المرة الثانية حين قام الرشيد بشنق نقفور الأول في [[آيا صوفيا]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Canard|1926|pp=103–104}}.</ref>
| |
| [[ملف:Heraqla,SE.jpg|تصغير|يسار|مشهد عام لأنقاض القصر]]
| |
| من جهته أمر هارون الرشيد ببناءٍ تذكاري تخليداً لفتح هرقلة على بُعد حوالي ثمانية كيلومترات إلى الغرب من الرقة مكان إقامته الرئيس. يتكون البناء الذي يعرف باسم [[قصر هرقلة]] (<small>نسبة لمدينة [[هرقلة (بيزنطة)|هرقلة]]</small>)، من مبنىً مربعٍ طول ضلعه مائة متر يُحيط به جدار دائري يبلغ قطره خمسمائة متر تقريباً، وله أربع بوابات رئيسية. ويُزعم أن البناء الرئيس شُيِّد من الحجارة التي أُخذت من الأبنية التي هُدِمت جراء الحملات العباسية في الأناضول بناءً على أوامر الرشيد بين الأعوام 806-807، وإن يك هذا مستبعداً لصعوبة نقل الحجارة كل تلك المسافة الشاسعة.
| |
| | |
| ويوجد في الطابق الأرضي أربعة [[إيوان|أواوين]] وسلم يؤدي إلى الطابق العلوي الذي تُرِك غير مكتملٍ بسبب مغادرة الرشيد إلى خراسان ووفاته هناك.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Meinecke|1995|p=412}}.</ref> بينما يشير [[ياقوت الحموي]] إلى أن بناء القصر كان كاملاً بقوله: {{اقتباس مضمن|...وبقي الحصن عامراً مدةً حتى خرب، وآثاره إلى وقتنا هذا باقية وفيه آثار عمارة وأبنية عجيبة}}.
| |
| | |
| == ملاحظات ==
| |
| {{بداية المراجع}}
| |
| {{Cnote|a|على عكس أسلافهم الأمويين اتبع الخلفاء العباسيون سياسة خارجية محافظة وكانوا راضين بحدود الأراضي التي حازوها، وكانت الحملات الخارجية التي يشنون انتقامية أو وقائية في هدفها من أجل الحفاظ على حدودهم وفرض الوجود العباسي على جيرانهم.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|El-Hibri|2010|p=302}}.</ref> كانت الحملات على الإمبراطورية البيزنطية مهمة بشكل خاص من أجل مصادر الدولة، فقد كانت الغارات السنوية رمزًا للجهاد المستمر في الدولة الإسلامية في بدايتها وكانت الحملات الخارجية الوحيدة التي شارك فيها الخليفة أو أبناؤه بشكل شخصي، وكانت مماثلة لما كان يتم تداوله في سبيل الترويج لقيادة أفراد الأسرة العباسية في موسم [[الحج (توضيح)|الحج]] إلى [[مكة|مكة المكرمة]]، وكان لذلك دور في تسليط الضوء على دورهم في الحياة الدينية للمجتمع الإسلامي.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|El-Hibri|2010|pp=278–279}}.</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Kennedy|2001|pp=105–106}}.</ref>}}
| |
| {{نهاية المراجع}}
| |
| | |
| == انظر أيضًا ==
| |
| * [[الغزو العباسي لآسيا الصغرى (782)]]
| |
| | |
| == المصادر ==
| |
| {{مراجع|3|محاذاة=نعم}}
| |
| | |
| == ملاحظات ==
| |
| {{ملاحظات}}
| |
| | |
| == مراجع ==
| |
| <div style="direction: ltr;">
| |
| * {{استشهاد بكتاب| الأخير=Brooks | الأول=E. W. | عنوان=The Cambridge Medieval History, Vol. IV: The Eastern Roman Empire (717–1453) |مسار= https://archive.org/details/cambridgemedieva04buryuoft | مكان=Cambridge | ناشر=Cambridge University Press | سنة=1923 | الفصل=Chapter V. (A) The Struggle with the Saracens (717–867) | صفحات=119–138 |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220416051636/https://archive.org/details/cambridgemedieva04buryuoft|تاريخ أرشيف=2022-04-16}}
| |
| * {{استشهاد بدورية محكمة| الأخير = Canard | الأول = Marius | عنوان = Les expéditions des Arabes contre Constantinople dans l'histoire et dans la légende | صحيفة = [[المجلة الآسيوية]] | العدد = 208 | سنة = 1926 | صفحات = 61–121 |لغة=الفرنسية | مسار = http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k933084/f65 | issn= 0021-762X |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190417094123/https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k933084/f65|تاريخ أرشيف=2019-04-17}}
| |
| * {{استشهاد بكتاب| الأخير=El-Cheikh | الأول=Nadia Maria | عنوان=Byzantium Viewed by the Arabs | مكان=Cambridge, Massachusetts | ناشر=Harvard Center of Middle Eastern Studies | سنة=2004 | isbn=978-0-932885-30-2 | مسار= https://books.google.com/books?id=QC03pKNpfaoC |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20191225003846/https://books.google.com/books?id=QC03pKNpfaoC|تاريخ أرشيف=2019-12-25}}
| |
| * {{استشهاد بكتاب| الأخير=Kennedy | الأول=Hugh N. | مؤلف-وصلة=Hugh N. Kennedy | عنوان=The Armies of the Caliphs: Military and Society in the Early Islamic State | مكان=London | ناشر=Routledge | سنة=2001 | isbn=978-0-203-45853-2 | مسار= https://books.google.com/books?id=UIspERtZEHIC |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20191228004807/https://books.google.com/books?id=UIspERtZEHIC|تاريخ أرشيف=2019-12-28}}
| |
| * {{استشهاد ويب|الأخير=Kiapidou |الأول=Irini-Sofia |عنوان=Campaign of the Arabs in Asia Minor, 806 |عمل=Encyclopedia of the Hellenic World, Asia Minor |مكان=Athens |ناشر=Foundation of the Hellenic World |سنة=2002 |مسار=http://www.ehw.gr/l.aspx?id=7896 |تاريخ الوصول=22 March 2012 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20131030022314/http://www.ehw.gr/l.aspx?id=7896 |تاريخ أرشيف=30 October 2013 |url-status=dead}}
| |
| * {{استشهاد بكتاب| مؤلف1-الأخير=Mango | مؤلف1-الأول=Cyril | مؤلف2-الأخير=Scott | مؤلف2-الأول=Roger | عنوان=The Chronicle of Theophanes Confessor. Byzantine and Near Eastern History, AD 284–813 | مكان=Oxford | ناشر=Oxford University Press | سنة=1997 | isbn=0-19-822568-7 }}
| |
| * {{EI2| volume=8 | title =al-Raḳḳa | first = Michael | last = Meinecke | authorlink=Michael Meinecke | url = http://referenceworks.brillonline.com/entries/encyclopaedia-of-islam-2/al-rak-k-a-COM_0907 | pages = 410–414 }}
| |
| * {{استشهاد بكتاب| الأخير=Treadgold | الأول=Warren T. | عنوان=The Byzantine Revival, 780–842 | مكان=Stanford, California | ناشر=Stanford University Press | سنة=1988 | isbn=0-8047-1462-2 | مسار= https://books.google.com/books?id=3TysAAAAIAAJ |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190416235248/https://books.google.com/books?id=3TysAAAAIAAJ|تاريخ أرشيف=2019-04-16}}
| |
| </div>
| |
| {{شريط بوابات|التاريخ الإسلامي|الحرب|الدولة العباسية|الشام}}
| |
| {{شريط محتوى متميز|جيدة|النسخة=36157773|تاريخ=24 يونيو 2019}}
| |
| {{لا لربط البوابات المعادل}}
| |
| | |
| [[تصنيف:806]]
| |
| [[تصنيف:الأناضول البيزنطية]]
| |
| [[تصنيف:الإمبراطورية البيزنطية في عقد 800]]
| |
| [[تصنيف:الحروب الإسلامية البيزنطية]]
| |
| [[تصنيف:الدولة العباسية في القرن 9]]
| |
| [[تصنيف:غارات عسكرية]]
| |
| [[تصنيف:غزوات الدولة العباسية]]
| |
| [[تصنيف:نزاعات في عقد 800]]
| |
| [[تصنيف:هارون الرشيد]]
| |