عقيدة أهل الإسلام (كتاب)
عقيدة أهل الإسلام مختصر في عقيدة أهل السنة والجماعة على منهج الأشاعرة للإمام عبد الله بن علوي الحداد، ذكرها في خاتمة كتابه «النصائح الدينية والوصايا الإيمانية»[ملحوظة 1] لكنها طبعت كثيراً مستقلة. قال عنها الإمام الحداد: «عقيدة وجيزة جامعة نافعة إن شاء الله تعالى على سبيل الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة والسواد الأعظم من المسلمين.» وقد عمل الشيخ حسنين محمد مخلوف — مفتي الديار المصرية — عليها شرحاً مبسطاً، وقال فيها: «ندعو المسلمين وخاصة الناشئة في المدارس والمعاهد إلى استظهارها وتدبر معانيها والتحصن بها من الضلالات الفاشية، والأهواء التي يروجها أعداء الإسلام. وإننا نهيب بالعلماء والوعاظ أن يتخولوا العامة شيباً وشباناً بالقول فيها وشرح معانيها.»[1]
عقيدة أهل الإسلام | |
---|---|
الاسم | عقيدة أهل الإسلام |
المؤلف | عبد الله بن علوي الحداد |
الموضوع | العقيدة الإسلامية، أصول الدين، علم الكلام |
العقيدة | أهل السنة والجماعة، أشعرية، صوفية |
الفقه | شافعي |
البلد | اليمن |
اللغة | عربية |
شرح به | حسنين محمد مخلوف |
معلومات الطباعة | |
عدد الصفحات | 48 صفحة |
الناشر | مكتبة الهداية |
كتب أخرى للمؤلف | |
تعديل مصدري - تعديل |
نبذة عن المؤلف
هو فقيه شافعي ولد في مدينة تريم في حضرموت اليمنية عام 1044 هـ، وكف بصره وهو ابن أربع سنين، وتتلمذ على عدد من العلماء يفوق المائة والأربعين، ولقب بـ «شيخ الإسلام» و«قطب الدعوة والإرشاد». وهو مجدد القرن الحادي أو الثاني عشر الهجري، ويعود نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب. توفي سنة 1132 هـ عن عمر قارب التسعين عاما قضاها في نشر العلوم النافعة والدعوة إلى الله.[2]
نص العقيدة
الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وبعد:
فإنا نعلم ونقر ونعتقد، ونؤمن ونوقن، ونشهد: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. إله عظيم، ملك كبير، لا رب سواه، ولا معبود إلا إياه. قديم أزلي، دائم أبدي، لا ابتداء لأوليته، ولا انتهاء لآخريته.[ملحوظة 2] أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. لا شبيه له ولا نظير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.[ملحوظة 3] وأنه تعالى مقدس عن الزمان والمكان،[ملحوظة 4] وعن مشابهة الأكوان، ولا تحيط به الجهات، ولا تعتريه الحادثات.[ملحوظة 5] مستو على عرشه على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، إستواءً يليق بعز جلاله، وعلو مجده وكبريائه.[ملحوظة 6] وأنه تعالى قريب من كل موجود، وهو أقرب للإنسان من حبل الوريد،[ملحوظة 7] وعلى كل شيء رقيب وشهيد. حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم. بديع السموات والأرض، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل. وأنه تعالى على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وقد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا. وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم،[ملحوظة 8] والله بما تعملون بصير. ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.[ملحوظة 9] وأنه تعالى مريد للكائنات، مدبر للحادثات. وأنه لا يكون كائن من خير أو شر، أو نفع أو ضر، إلا بقضائه ومشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. ولو اجتمع الخلق كلهم على أن يحركوا في الوجود ذرة، أو يسكنوها دون إرادته لعجزوا عنه. وأنه تعالى سميع بصير، متكلم بكلام قديم أزلي، لا يشبه كلام الخلق. وأن القرآن العظيم كلامه القديم، وكتابه المنزل على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وأنه سبحانه الخالق لكل شيء، والرازق له والمدبر والمتصرف فيه كيف يشاء، ليس له في ملكه منازع ولا مدافع، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون. وأنه عالي[ملحوظة 10] حكيم في فعله، عادل في قضائه، لا يتصور منه ظلم ولا جور، ولا يجب عليه لأحد حق. ولو أنه سبحانه أهلك جميع خلقه في طرفة عين لم يكن بذلك جائراً عليهم ولا ظالماً لهم، فإنهم ملكه وعبيده، وله أن يفعل في ملكه ما يشاء وما ربك بظلام للعبيد. يثيب عباده على الطاعات فضلاً وكرماً، ويعاقبهم على المعاصي حكمةً وعدلاً، وأن طاعته واجبة على عباده بإيجابه على ألسنة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام. ونؤمن بكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله الله، وبملائكة الله، وبالقدر خيره وشره. ونشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله إلى الجن والإنس، والعرب والعجم، بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأنه صادق أمين، مؤيد بالبراهين الصادقة والمعجزات الخارقة. وأن الله فرض على العباد تصديقه وطاعته واتباعه، وأنه لا يقبل إيمان عبد وإن آمن به سبحانه حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبجميع ما جاء به وأخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة والبرزخ. ومن ذلك: أن يؤمن بسؤال منكر ونكير للموتى، عن التوحيد والدين والنبوة. وأن يؤمن بنعيم القبر لأهل الطاعة، وبعذابه لأهل المعصية. وأن يؤمن بالبعث بعد الموت، وبحشر الأجساد والأرواح إلى الله، وبالوقوف بين يدي الله، وبالحساب، وأن العباد يتفاوتون فيه إلى مسامح ومناقش، وإلى من يدخل الجنة بغير حساب. وأن يؤمن بالميزان الذي توزن فيه الحسنات والسيئات، وبالصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم وبحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة، وماؤه من الجنة. وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء ثم الصديقين والشهداء، والعلماء والصالحين والمؤمنين. وأن الشفاعة العظمى مخصوصة بمحمد صلى الله عليه وسلم. وأن يؤمن بإخراج من دخل النار من أهل التوحيد حتى لا يخلد فيها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان. وأن أهل الكفر والشرك مخلدون في النار أبد الآبدين، لايخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. وأن المؤمنين مخلدون في الجنة أبداً سرمداً، لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين. وأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة بأبصارهم على ما يليق بجلاله وقدس كماله.[ملحوظة 11] وأن يعتقد فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وترتيبهم، وأنهم عدول أخيار أمناء، لا يجوز سبهم ولا القدح في أحد منهم. وأن الخليفة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان الشهيد، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك اللهم يا أرحم الراحمين.[3] |
ملاحظات
- ^ كتاب في الوعظ والتصوف يشتمل على نصائح دينية هامة للمسلمين.
- ^ "قديم" لا ابتداء لوجوده. "أزلي" بفتح الزاي: نسبة إلى الأزل وهو القِدَم. "دائم" باق لا انتهاء لوجوده. "أبدي" نسبة إلى الأبد. قال تعالى: (هو الأول والآخر) أي الأول قبل كل شيء بلا بداية، والآخر بعد كل شيء بلا نهاية.
- ^ قال القاضي أبو بكر الباقلاني في الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به: "ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وقوله: {ولم يكن له كفوا أحد} ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك".
- ^ "مقدس": منزه عن جميع النقائص وصفات الحدوث، ومنها الزمان والمكان، فلا يقارنه زمان ولا يحويه مكان. إذ هو الخالق لهما، فكيف يحتاج إليهما؟!
- قال الإمام أبو حنيفة النعمان أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه: "قلت: أرأيت لو قيل أين الله تعالى؟ فقال -أي أبو حنيفة-: يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء، وهو خالق كل شيء". وقال أيضا: "ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا".
- وقال الإمام الشافعي إمام المذهب الشافعي ما نصه: "إنه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير في ذاته ولا التبديل في صفاته ".
- وقال إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري ما نصه: "كان الله ولا مكان فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه". أي بلا مكان ومن غير احتياج إلى العرش والكرسي.
- وقال إمام أهل السنة أبو منصور الماتريدي في كتابه "التوحيد" ما نصه: "إن الله سبحانه كان ولا مكان، وجائز ارتفاع الأمكنة وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان، وكان على ما عليه الآن، جل عن التغير والزوال والاستحالة". يعني بالاستحالة التحول والتطور والتغير من حال إلى حال وهذا منفي عن الله ومستحيل عليه سبحانه.
- وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: "تعالى -أي الله- عن أن يحويه مكان، كما تقدس عن أن يحده زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان".
- وقال ابن حزم إمام المذهب الظاهري في المحلى بالآثار: "وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان، بل هو تعالى خالق الأزمنة والأمكنة. قال تعالى: {خلق كل شيء فقدره تقديرا} وقال تعالى {خلق السماوات والأرض وما بينهما} والزمان والمكان فهما مخلوقان، قد كان تعالى دونهما، والمكان إنما هو للأجسام، والزمان إنما هو مدة كل ساكن أو متحرك أو محمول في ساكن أو متحرك، وكل هذا مبعد عن الله عز وجل".
- وقال إمام الصوفية الشيخ أحمد الرفاعي في كتابه البرهان المؤيد ما نصه: "وطهروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار، كاستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول، تعالى الله عن ذلك. وإياكم والقول بالفوقية والسفلية والمكان واليد والعين بالجارحة، والنزول بالإتيان والانتقال، فإن كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يدل ظاهره على ما ذُكر فقد جاء في الكتاب والسنة مثله مما يؤيد المقصود". وقال أيضا ما نصه: "وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: من قال لا أعرف الله أفي السماء هو أم في الأرض، فقد كفر، لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا، ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه". وقال أيضا ما نصه: "غاية المعرفة بالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان".
- ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي عند تفسيره لآية الكرسي ما نصّه: "لقد وجدنا من قال: أين يوجد الله؟!! متى وجد؟!! وقلنا ونقول: "متى" و "أين" لا تأتي بالنسبة لله، إنها تأتي بالنسبة لكم أنتم، لماذا؟ لأن "متى" زمان و "أين" مكان. والزمان والمكان ظرفان للحدث، فالشيء الحادث هو الذي له زمان ومكان، مثال ذلك أن أقول: "أنا شربت" وما دام قد حدث الشرب فيكون له زمان ومكان، لكن هب أنني لم أشرب، أيكون هناك زمان أو مكان؟! لا، فما دام الله ليس حدثاً فليس متعلقاً به زمان أو مكان، لأن الزمان والمكان نشأ عندما خلق الله وأحدث هذا الكون، فلا تقل: "متى" لأن "متى" خُلِقَت به، ولا تقل "أين" لأن أين خُلِقَت به ولأن "متى" و "أين" ظرفان؛ هذه للزمان، وهذه للمكان، والزمان والمكان فرعا الحدث. وعندما يوجد حدث فقل زمان ومكان. إذن فما دام الله ليس حدثاً، فإياك أن تقول فيه متى، وإياك أن تقول فيه أين، لأن "متى" و "أين" وليدة الحدث".
- ^ قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: «تعالى (يعني الله) عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.» والجهات الست هي الفوق والتحت واليمين والشمال والأمام والخلف. أي لا يوصف الله بأنه تحيط به الجهات الست كما أن المخلوق تحيط به الجهات الست، بعض المخلوقات في جهة فوق وبعضها في جهة تحت وبعضها في الشمال وبعضها في الجنوب أما الله فليس متحيزاً في جهة من الجهات الست، على هذا علماء السلف والخلف من الصحابة ومن جاء بعدهم، ومن خالف هذا فهو ضالٌ مبتدع في العقيدة. وقال أيضا: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر، فقد كفر. من أبصر هذا اعتبر. وعن مثل قول الكفار انزجر. وعلم أن الله بصفاته ليس كالبشر.»
- وقال نعيم بن حماد شيخ البخاري: «من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.» وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: وجدت في كتاب أبي نعيم بن حماد قال: «حق على كل مؤمن أن يؤمن (بجميع) ما وصف الله به نفسه ويترك التفكر في الرب تبارك وتعالى ويتبع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق) قال نعيم: ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء من الأشياء.»
- ^ قال تعالى: (الرحمن على العرش استوى) والإيمان بالإستوء واجب، ولما قام البرهان على تنزهه تعالى عن الحيز والمكان والجهة، كسائر لوازم الحدوث، وجب أن يكون استواؤه على عرشه لا بمعنى الاستقرار والتمكن، بل بالمعنى اللائق بجلاله تعالى. قال الصحابي الجليل والخليفة الراشد علي بن أبي طالب: «إن الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرته لا مكاناً لذاته.» وممن تأول الاستواء على العرش بالقهر والاستيلاء من علماء أهل السنة:
- الطبري في تفسيره جامع البيان في تفسير القرآن قال: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه منها الاحتياز والاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها، ثم أوّل قول الله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} [البقرة: 29] فقال: «علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال.»
- البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل وأسرار التأويل قال: «{ثم استوى على العرش} [الأعراف: 54] استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزهاً عن الاستقرار والتمكن والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه، أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك.»
- ^ "قريب" أي بعلمه فلا يبعد عنه شيء، لا قربَ مكانٍ لاستحالته عليه تعالى، كما في قوله تعالى: (وهو معكم) أي بعلمه. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «عبارة عن قدرة الله على العبد، وكون العبد في قبضة القدرة، والعلم قد أحيط به، فالقرب هو بالقدرة والسلطان، إذ لا ينحجب عن علم الله باطن ولا ظاهر، وكل قريب من الأجرام فبينه وبين قلب الإنسان حجب.» وليس هنا حلول ولا اتحاد، قال الله تعالى: {له ما في السماوات وما في الأرض} [البقرة: 255].
- ^ أي حاضر لا يغيب. قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: "والمعيّة تمثيل كنائي عن العلم بجميع أحوالهم. و {أينما} ظرف مركب من (أين) وهي اسم للمكان، و (ما) الزائدة للدلالة على تعميم الأمكنة".
- وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: "معناه بقدرته وعلمه وإحاطته. وهذه آية أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها، وأنها مخرجة عن معنى لفظها المعهود، ودخل في الإجماع من يقول بأن المشتبه كله ينبغي أن يمر ويؤمن به ولا يفسر فقد أجمعوا على تأويل هذه لبيان وجوب إخراجها عن ظاهرها. قال سفيان الثوري معناه: علمه معكم، وتأولهم هذه حجة عليهم في غيرها".
- وقال فخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب: "المسألة الثانية: قال المتكلمون: هذه المعية إما بالعلم وإما بالحفظ والحراسة، وعلى التقديرين فقد انعقد الإجماع على أنه سبحانه ليس معنا بالمكان والجهة والحيز، فإذن قوله: {وهو معكم} لا بد فيه من التأويل وإذا جوزنا التأويل في موضع وجب تجويزه في سائر المواضع".
- وقال ابن عجيبة في البحر المديد: "بالعلم والقدرة والإحاطة الذاتية، وما ادعاه ابنُ عطية من الإجماع أنه بالعلم، فإن كان مراده من أهل الظاهر فمسلّم، وأمّا أهل الباطن فمجمِعون على خلافه". وفي الحديث الشريف: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم". رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله تعالى معه حيث كان".
- ^ ذكر الإمام تاج الدين السبكي عقيدة أهل السنة في كتابه طبقات الشافعية الكبرى فقال: «وها نحن نذكر عقيدة أهل السنة، فنقول: عقيدتنا أن الله قديم أزلي، لا يشبه شيئا، ولا يشبهه شيء، ليس له جهة ولا مكان، ولا يجرى عليه وقت ولا زمان، ولا يقال له: أين، ولا حيث، يرى لا عن مقابلة، ولا على مقابلة، كان ولا مكان، كون المكان، ودبر الزمان، وهو الآن على ما عليه كان. هذا مذهب أهل السنة، وعقيدة مشايخ الطريق رضي الله عنهم. قال الجنيد رضي الله عنه: متى يتصل من لا شبيه له، ولا نظير له بمن له شبيه ونظير؟ وكما قيل ليحيى بن معاذ الرازي: أخبرنا عن الله عز وجل؟ فقال: إله واحد، فقيل له: كيف هو؟ فقال: مالك قادر، فقيل له: أين هو؟ فقال: بالمرصاد، فقال السائل: لم أسألك عن هذا. فقال: ما كان غير هذا كان صفة المخلوق، فأما صفته فما أخبرت عنه. وكما سأل ابن شاهين الجنيد رضي الله عنهما عن معنى "مع" فقال: "مع" على معنيين؛ مع الأنبياء بالنصرة والكلاءة؛ قال الله تعالى: ﴿إنني معكما أسمع وأرى﴾ [سورة طه: آية 46]، ومع العالم بالعلم والإحاطة؛ قال الله تعالى: ﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم﴾ [سورة المجادلة: آية 7] فقال ابن شاهين: مثلك يصلح دالا للأمة على الله. وسئل ذو النون المصري رضي الله عنه، عن قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ [سورة طه: آية 5] فقال: أثبت ذاته، ونفى مكانه، فهو موجود بذاته، والأشياء بحكمته كما شاء... وقال جعفر الصادق رضي الله عنه: من زعم أن الله في شيء أو على شيء فقد أشرك؛ إذ لو كان في شيء لكان محصورا، ولو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان من شيء لكان محدثا.»
- ^ الشيخ الشعراوي عند تفسيره لآية {إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10] قال: "دائماً نخاطب الله على جهة العلو، مع أنه سبحانه في كل مكان، وليس له مكان، لذلك يحتج البعض على هذه المسألة فيقول: كيف أن الله ليس له مكان، وسيدنا رسول الله لما أراد الله أنْ يُكلِّمه أصعده إلى السماء السابعة؟ نقول: كان الصعود لمكان الرائي لا لمكان المرئي، فالرائي لا يرى إلا من هذا المكان، فمثلاً لو أننا سمعنا الآن ضجة خارج المسجد، وهذه النافذة التي تُطِل على هذه الضجة عالية، فماذا تفعل إنْ أردتَ أنْ تعرف ما يدور بالخارج، لا بُدَّ لك أنْ تصعد هذا العلو لترى ما يحدث، فالأحداث هي هي، لكن مكان الرائي يختلف".
- وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية في الدولة العثمانية في مقالاته تحت عنوان الإسراء والمعراج ما نصه: "وهذا العروج ليس للتقرب منه تعالى لأن القرب منه لا يكون بالمسافة وتنزيه الله سبحانه عن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات هو عقيدة أهل الحق رغم اغتياظ المجسمة الصرحاء والممجمجين".
- ^ قال إمام أهل السنة والجماعة أبو منصور الماتريدي في إثبات رؤية المؤمنين لله في الآخرة ما نصه: "فإن قيل: كيف يرى؟ قيل: بلا كيف، إذ الكيفية تكون لذي صورة، بل يرى بلا وصف قيام وقعود واتكاء وتعلق، واتصال وانفصال، ومقابلة ومدابرة، وقصير وطويل، ونور وظلمة، وساكن ومتحرك، ومماس ومباين، وخارج وداخل، ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك". وقال نجم الدين عمر النسفي الحنفي صاحب العقيدة المشهورة بالعقيدة النسفية ما نصه: "والمُحدِثُ للعالم هو الله تعالى، لا يوصف بالماهية ولا بالكيفية ولا يَتمكَّن في مكان". وقال أيضا ما نصه: "وقد ورد الدليل السمعي بإيجاب رؤية المؤمنين اللهَ تعالى في دار الآخرة، فيرى لا في مكان، ولا على جهة من مقابلة أو اتصال شعاع أو ثبوت مسافة بين الرائي وبين الله تعالى".
انظر أيضاً
المصادر والمراجع
- ^ عقيدة أهل الإسلام ومعه مختصر شرح - موقع أبجد. نسخة محفوظة 9 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- ^ الحبيب عبدالله بن علوى الحداد - موقع المستنير. نسخة محفوظة 18 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
- ^ خاتمة كتاب: "النصائح الدينية والوصايا الإيمانية"، تأليف: الشيخ عبد الله بن علوي الحداد، خاتمة في عقيدة أهل السنة والجماعة، ص: 93.